عمل كتاب "تهذيب الكمال" في مائتي جزء "وخمسين جزءًا"، وعمل كتاب "الأطراف" في بضعة وثمانين جزءًا، وخرج لنفسه وأملى مجالس وأوضح مشكلات ومعضلات ما سبق إليها في علم الحديث ورجاله، وولي المشيخة بأماكن منها الدار الأشرفية، وكان ثقة حجة كثير العلم حسن الأخلاق كثير السكوت قليل الكلام جدا صادق اللهجة لم تعرف له صبوة، وكان يطالع وينقل الطباق إذا حدث وهو في ذلك لا يكاد يخفى عليه شيء مما يقرأ بل يرد في المتن والإسناد ردًّا مفيدًا يتعجب منه فضلاء الجماعة، وكان متواضعًا حليمًا صبورًا مقتصدًا في ملبسه ومأكله كثير المشي في مصالحه، ترافق هو وابن تيمية كثيرًا في سماع الحديث وفي النظر في العلم وكان يقرر طريقة السلف في السنة ويعضد ذلك بمباحث نظرية وقواعد كلامية وجرى بيننا مجادلات ومعارضات في ذلك تركها أسلم وأولى.
ومع ذلك فله عمل كثير في المعقول، وما وراء ذلك بحمد الله إلا حسن إسلام وحسبة لله مع أني لم أعلمه ألف في ذلك شيئًا.
وقد لزم في وقت صحبة العفيف التلمساني فلما تبين له انحلاله واتحاده تبرأ منه وحط عليه، وكان ذا مروءة وسماحة ويقنع باليسير باذلا لكتبه وفوائده ونفسه، كثير المحاسن ولقد آذاه أبو الحسن بن العطار وسبح وما رأيته يتكلم فيه ولا فيمن آذاه والله يسمح له ويختم له بالخير ولنا آمين.
أخبرنا أحمد بن سلامة في كتابه وحدثني عنه الحافظ المجود أبو الحجاج الكلبي أن مسعود بن أبي منصور أنبأهم قال: أنا أبو علي أنا أبو نعيم الحافظ ثنا ابن خلاد ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ثنا يوسف بن يعقوب الصفار أنا علي بن عثام عن سعير بن الخمس عن مغيرة عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: سئل النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- عن الوسوسة فقال: "صريح الإيمان". هذا حديث حسن صحيح غريب من الإفراد أخرجه مسلم عن الصفار فوافقناه بعلو، وليس لسعير لا ولعلي ولا للصفار في صحيح مسلم سواه. توفي في ثاني عشر صفر سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة, رحمه الله تعالى.
وإلى هنا انتهى بنا كتاب التذكرة، ولعل فيمن لم نوردهم غفلة أو نسيانًا من هو في رتبة المذكورين علمًا وحفظًا وقد كنت ألفت معجمًا لي يختص بمن طلب هذا الشأن من شيوخي ورفاقي, فاستوعبت من له أدنى عمل وبينت أحوالهم.