فقلت: أتتقلب لشكوى أو لشيء بلغك؟ فلما أصبح قال: أي بنية هلمي الأحاديث التي عندك فجئته بها فدعا بنا فحرقها فقلت: لم أحرقتها؟ قال: خشيت أن أموت وهي عندي فيكون فيها أحاديث عن رجل قد ائتمنته ووثقت ولم يكن كما حدثني فأكون قد نقلت ذاك. فهذا لا يصح والله أعلم.
توفي الصديق رضي الله عنه لثمانٍ بقين من جمادي الآخرة من سنة ثلاث عشرة وله ثلاث وستون سنة.
2- 2/ 1 أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبو حفص العدوي الفاروق:
وزير رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أيد الله به الإسلام وفتح به الأمصار وهو الصادق المحدث الملهم الذي جاء عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لو كان بعدي نبي لكان عمر" 1 الذي فر منه الشيطان وأعلى به الإيمان وأعلن الأذان.
قال نافع بن أبي نعيم عن نافع عن ابن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم "إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه ".
فيا أخي إن أحببت أن تعرف هذا الإمام حق المعرفة فعليك بكتابي "نعم السمر في سيرة عمر" فإنه فارق فيصل بين المسلم والرافضي، فوالله ما يغض من عمر إلا جاهل دائص أو رافضي فاجر وأين مثل أبي حفص؟! فما دار الفلك على مثل شكل عمر وهو الذي سن للمحدثين التثبت في النقل وربما كان يتوقف في خبر الواحد إذا ارتاب فروى الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد أن أبا موسى سلم على عمر من وراء الباب ثلاث مرات فلم يؤذن له، فرجع فأرسل عمر في أثره فقال: لم رجعت قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا سلم أحدكم ثلاثا فلم يجب فليرجع" قال: لتأتيني على ذلك بينة أو لأفعلن بك فجاءنا أبو موسى ممتقعا لونه ونحن جلوس فقلنا: ما شأنك؟ فأخبرنا وقال: فهل سمع أحد منكم؟ فقلنا: نعم كلنا سمعه فأرسلوا معه رجلا منهم حتى أتى عمر فأخبره. أحب عمر أن يتأكد عنده خبر أبي موسى بقول صاحب آخر ففي هذا دليل على أن الخبر إذا رواه ثقتان كان أقوى وأرجح مما انفرد به واحد، وفي ذلك حض على تكثير طرق الحديث؛ لكي يرتقي عن درجة الظن إلى درجة العلم؛ إذ الواحد يجوز عليه النسيان والوهم ولا يكاد يجوز ذلك على ثقتين لم يخالفهما أحد، وقد كان عمر من وجله أن يخطىء الصاحب على