فلم يزل الرجل يلقي عليه ما شاء الله ولا يغرب عليه, فاغتم الرجل لذلك فقال له: لا تجزع؛ وأعطاه لكل حديث ذكره درهمًا، وكان ذا مال كثير. قال الحافظ عبد الغني الأزدي سمعت محمد بن إبراهيم الكرخي يقول: ابن جوصاء بالشام كابن عقدة بالكوفة. قال الدارقطني: أجمع أهل الكوفة أنه لم ير من زمان ابن مسعود إلى زمان ابن عقدة أحفظ منه.

قال أبو عمرو النيسابوري الصغير: نزلنا خانا بدمشق العصر ونحن على أن نبكر إلى ابن جوصاء فإذا الخاني يعدو ويقول: أين أبو علي الحافظ؟ فقلت: ههنا، قال: قد جاء الشيخ؛ فإذا ابن جوصاء على بغلة فنزل ثم صعد إلى غرفتنا وسلم على أبي علي ورحب به وذاكره إلى قريب العتمة، ثم قال: يا أبا علي جمعت حديث عبد الله بن دينار؟ قال: نعم، قال فأخرجه فأخذه في كمه وقام، فلما أصبحنا جاءنا رسوله وحملنا إلى منزله فذاكره أبو علي وانتخب عليه إلى المساء، ثم انصرفنا إلى رحلنا وجماعة من الرحالة ينتظرون أبا علي فسلموا عليه ثم ذكروا شأن ابن جوصاء وما نقموا عليه من الأحاديث التي انكروها وأبو علي يسكنهم ويقول: لا تفعلوا، هذا إمام من أئمة المسلمين قد جاز القنطرة.

قال حمزة الكناني: عندي عن ابن جوصاء مائتا جزء ليتها كانت بياضًا. وترك حمزة الرواية عنه أصلا. قلت: هذا تعنت من حمزة، والظاهر أنه تبرم بالمائتي جزء لنزولها عند حمزة ولا تنفق عنه فإن ابن جوصاء من صغار شيوخه. وقال أبو عبد الرحمن السلمي سألت الدارقطني عن ابن جوصاء فقال: تفرد بأحاديث ولم يكن بالقوي. قلت: الرجل صدوق حافظ وَهِم في أحاديث مغمورة في سعة ما روى، فمن ذلك حديثه عن أبي التقي عن بقية، أنا ورقاء وابن ثوبان عن عمرو بن دينار عن عطاء عن أبي هريرة مرفوعًا حديث: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" 1.

قرأته على أحمد بن هبة الله عن أبي روح أنا تميم بن أبي سعيد أنا أبو سعيد الكنجرودي أنا أبو أحمد الحافظ أنا حمد بن عمير, فذكره. الحديث محفوظ وإنما أنكروا على ابن جوصاء ذكر ابن ثوبان في إسناده، قال الطبراني: تفرد بذلك ابن جوصاء وهو من الثقات. قلت: وقد توبع عليه, سقت ذلك في تاريخ الإسلام. قال حمزة بن محمد الحافظ: سمعت ابن جوصاء يقول: كنا ببغداد فتذاكروا حديث أيوب فقلت: أيش أسند جنادة عن عبادة؟ فسكتوا، فقلت: ما أسند عمر بن عمرو الأحموسي؟ فلم يجيبوا. توي ابن جوصاء في جمادى الأولى سنة عشرين وثلاثمائة وهو في عشر التسعين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015