الرَّابِعَةُ: يُقْبَلُ التَّعْدِيلُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ سَبَبِهِ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ، وَلَا يُقْبَلُ الْجَرْحُ إِلَّا مُبَيَّنَ السَّبَبِ.
وَأَمَّا كُتُبُ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ الَّتِي لَا يُذْكَرُ فِيهَا سَبَبُ الْجَرْحِ فَفَائِدَتُهَا التَّوَقُّفُ فِيمَنْ جَرَّحُوهُ فَإِنْ بَحَثْنَا عَنْ حَالِهِ وَانْزَاحَتْ عَنْهُ الرِّيبَةُ، وَحَصَلَتِ الثِّقَةُ بِهِ قَبِلْنَا حَدِيثَهُ، كَجَمَاعَةٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ.
(الرَّابِعَةُ: يُقْبَلُ التَّعْدِيلُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ سَبَبِهِ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ) ; لِأَنَّ أَسْبَابَهُ كَثِيرَةٌ فَيَثْقُلُ، وَيَشُقُّ ذِكْرُهَا ; لِأَنَّ ذَلِكَ يُحْوِجُ الْمُعَدِّلَ إِلَى أَنْ يَقُولَ: لَمْ يَفْعَلْ كَذَا، لَمْ يَرْتَكِبْ كَذَا، فَعَلَ كَذَا وَكَذَا، فَيُعَدِّدُ جَمِيعَ مَا يَفْسُقُ بِفِعْلِهِ أَوْ بِتَرْكِهِ، وَذَلِكَ شَاقٌّ جِدًّا.
(وَلَا يُقْبَلُ الْجَرْحُ إِلَّا مُبَيَّنَ السَّبَبِ) ; لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِأَمْرٍ وَاحِدٍ، وَلَا يَشُقُّ ذِكْرُهُ، وَلِأَنَّ النَّاسَ مُخْتَلِفُونَ فِي أَسْبَابِ الْجَرْحِ، فَيُطْلِقُ أَحَدُهُمُ الْجَرْحَ بِنَاءً عَلَى مَا اعْتَقَدَهُ جَرْحًا، وَلَيْسَ بِجَرْحٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ سَبَبِهِ ; لِيُنْظَرَ هَلْ هُوَ قَدْحٌ، أَوْ لَا؟
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَهَذَا ظَاهِرٌ مُقَرَّرٌ فِي الْفِقْهِ وَأُصُولِهِ.
وَذَكَرَ الْخَطِيبُ أَنَّهُ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ مِنْ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ كَالشَّيْخَيْنِ، وَغَيْرِهِمَا.
وَلِذَلِكَ احْتَجَّ الْبُخَارِيُّ بِجَمَاعَةٍ سَبَقَ مِنْ غَيْرِهِ الْجَرْحُ لَهُمْ، كَعِكْرِمَةَ، وَعَمْرِو بْنِ مَرْزُوقٍ، وَاحْتَجَّ مُسْلِمٌ بِسُوَيْدِ بْنِ سَعِيدٍ وَجَمَاعَةٍ اشْتَهَرَ الطَّعْنُ فِيهِمْ، وَهَكَذَا فَعَلَ أَبُو دَاوُدَ، وَذَلِكَ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُمْ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْجَرْحَ لَا يَثْبُتُ، إِلَّا إِذَا فُسِّرَ سَبَبُهُ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّهُ رُبَّمَا اسْتَفْسَرَ الْجَارِحُ، فَذَكَرَ مَا لَيْسَ بِجَرْحٍ.
وَقَدْ عَقَدَ الْخَطِيبُ لِذَلِكَ بَابًا، رَوَى فِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَدَائِنِيِّ، قَالَ: قِيلَ لِشُعْبَةَ: لِمَ تَرَكْتَ حَدِيثَ فُلَانٍ؟ قَالَ: رَأَيْتُهُ يَرْكُضُ عَلَى بِرْذَوْنٍ فَتَرَكْتُ حَدِيثَهُ.