وسلم فأسلم، وذلك في سنة تسع، فلما رآه رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال:
هذا سيد أهل الوبر. وكان عاقلا حليما مشهورا بالحلم.
وقيل للأحنف بن قيس: ممن تعلمت الحلم؟ قال: من قيس بن عاصم المنقري، رأيته يوما قاعدا بفناء داره محتبيا بحمائل سيفه، حتى أوتي برجل مكتوف وآخر مقتول فقيل له: هذا ابن أخيك قتل ابنك، قال: فوالله ما حلّ حبوته ولا قطع كلامه، فلما أتمه التفت إلى ابن أخيه فقال: يا ابن أخي بئس ما فعلت، أثمت بربك، وقطعت رحمك، وقتلت ابن عمك، ورميت نفسك بسهمك، ثم قال لابن له آخر: قم يا بنيّ فوار أخاك، وحلّ كتاف ابن عمك، وسق إلى أمك مائة ناقة دية ابنها فإنها غريبة.
وكان قيس بن عاصم قد حرّم الخمر على نفسه في الجاهلية، وكان سبب ذلك أنه غمز عكنة ابنته وهو سكران، وسبّ أباها، ورأى القمر فتكلّم بشيء، وأعطى الخمار كثيرا من ماله، فلما أفاق أخبر بذلك، فحرّمها على نفسه، وقال فيها أشعارا منها (?) : [من الوافر]
رأيت الخمر صالحة وفيها ... خصال تفسد الرجل الحليما
فلا والله أشربها صحيحا ... ولا أشفي بها أبدا سقيما
ولا أعطي بها ثمنا حياتي ... ولا أدعو لها أبدا نديما
فإن الخمر تفضح شاربيها ... وتجشمهم بها أمرا عظيما
قال الحسن: لما حضرت قيس بن عاصم الوفاة دعا بنيه فقال: يا بني احفظوا عني فلا أحد أنصح لكم مني: إذا متّ فسوّدوا كباركم، ولا تسوّدوا صغاركم، فيسفّه الناس كباركم وتهونوا عليهم، وعليكم بإصلاح المال فإنه منبهة للكريم، ويستغنى به عن اللئيم، وإياكم ومسألة الناس فإنها أخر كسب المرء.
وقال حكيم ولده: إنه أوصى عند موته فقال: إذا متّ فلا تنوحوا عليّ فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلم لم ينح عليه.