وكذلك قول التوراة في هذا السفر: "إبراهيم، إبراهيم لا تذبحن الغلام، فقد علمت أنك تخاف الله حين لم تمنعني ابنك وحيدك"1. فأضمر "قال الله"؛ لأن إبراهيم لم يقصد بذبح ولده التقرب إلى الملك، ولم يكذب في قوله. وإذ ثبت أن إبراهيم إنما خاطب بذلك الله؛ وسجد له؛ بطل انتزاع النصارى لذلك واستشهادهم به.

على أنا نقول: لو ثبت أن إبراهيم خاطب الملائكة وسجد لهم لم يلزم منه / (2/9/أ) ما انتحله النصارى من عبادة الثالوث؛ لأن قصد الجماعة الكثيرة2 بلفظ الواحد هو لسان القوم كان في ذلك الزمان، وشاهده من التوراة قوله لبني إسرائيل: "وتعملون للرّبّ إلهكم ليبارك في طعامكم وشرابكم، ويدفع الآلام عن بيوتكم، ولا يجعل عاقراً في أرضكم، وأرسل هيبتي بين يديك، وأقاتل عنك كلّ من تذهب إليه، وأجعل أعداءك خاضعة بين يديك"3. وهذا كما ترى مخاطبة الجمع الكثير بلفظ الواحد، وفي التوراة من هذا الجنس كثير؛ كقوله لبني إسرائيل: "إنكم تعرفون أنفس التواينة؛ لأنكم كنتم تواينة بأرض مصر، ازرع أرضك ستّ سنين ودعها في السابعة"4.

وشاهد من المزامير لداود: "اسمع يا قوم، أقول لكم يا إسرائيل: أنا الله ربّك"5. وشاهده من الإنجيل: "لا تقابلوا الشّرّ بالشّرّ، ولكن من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر، ومن رام أخذ ثوبك فألق عليه رداءك"6.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015