ليكون ذلك تنويهاً بأن المصلوب يكون أعلى من من كلّ شيء وأفضل كفضل الذهب على غيره من المنطبعات، فلما اتّخذوها من النحاس منع / (1/184/أ) قدرتهم على الذهب دلّ ذلك على أن المصلوب لا يكون إلاّ مفضولاً.
وقد شهدت التوراة بأن موسى عليه السلام حلَّى قبة الزمان التي بناها للرّبّ بقدر كبير من الذهب1 فيا لله العجب تُبنى قبة للرّبّ وتُحَلى بقناطير من الذهب! فكيف تتّخذ الحية من النحاس وهي تنويه بالرّبّ نفسه؟! هذا ما لا يجمل ولا يحسن بمثل موسى وصلحاء أصحابه، ففضل ما بين الذهب والنحاس كفضل ما بين المسيح والشّبه، ثم النحاس يسمى بأرض الشام المجاورة لأرض التيه شَبَهاً2، فلعل القوم إنما اتّخذوا الحية من الشّبه لتكون منوِّهة بصلب الشبه وحماية المسيح.
فأعجب - هداك الله - المواطأة بين الاسمين، إذ كلّ واحد منهما يسمى شبهاً.
ثم يقال للنصارى: وكيف استدللتم بنصب الحية النحاس على صلب المسيح وهي على النقيض منه، وذلك أن تلك حين صارت على جذعها صارت سبباً للشفاء ووسيلة إلى العافية من البلاء؛ فمن رآها خلص من علته وعوفي من لدغته / (1/184/ب) لساعته، فأما يسوع فحين صار على جذعه صار سبباً للهلاك ووسيلة إلى الاشتراك، فلو أن يسوع حين صار على الخشبة أطبق اليهود على الإيمان وخلصوا من لدغات الكفر والعصيان لكان ذلك موضع شبهة،