وأما قولهم: إنه أراد أن يستسلم ويبذل نفسه فداء عن الناس لينقذهم من الخطيئة والبأس، فهذا كلام من الكلام/ (1/157/أ) السخيف، وذلك أنه لا يخلو أن يفديهم بنفسه من عقاب نفسه أو عقاب غيره.
فإن كان إنما فداهم من عقاب نفسه، فما حاجته أن يرذل نفسه في أمر هو يملكه وزمامه بيده؟ فهلا عفا عنهم وأعفا نفسه من القتل والإهانة!
وإن كان إنما افتداهم من عقاب غيره فقد صار ضعيفاً عاجزاً لم يمكنه صلاح عباده إلاّ بأن يشفع لهم، ثم لا تقبل شفاعته حتى يبذل نفسه للصفع والإهانة والموت.
والعجب أنه مع بذل نفسه لهذه المحن لم تقبل شفاته، ولم يحصل لهم الفداء الذي يدعون، هذا مع أن المشفوع إليه أبوه، أفلم يكن له عند أبيه من الجاه ما يُشَفِّعه في مطلوبه وهو معافى من هذه المحن بلا قتله وصلبه من غير إسعافه بمراده؟
ومثل هذا الفعل لا يصدر إلاّ من العدوّ المشاحن وأرباب الحقود والضغائن، ومما يتعجب منه أن هذا الرّبّ الذي تدعون بعد أن تعنَّى ونزل إلى الأرض وحَلَّ به ما وصفتم يبتغي بذلك خلاصكم، لم يحصل لكم خلاصاً ولا تَمَّ له مراد. لأنه إن كان أراد خلاصكم من محن الدنيا فها أنتم باقون على ما كنتم / (1/157/ب) عليه من طبائع البشر وتحمل الضرر ومعالجة الهرم والكبر ومضاجعة الأجداث والحُفر.
وإن كان أراد خلاصكم من عهد التكاليف ليحط عنكم الآثام ويسقط الصلاة والصيام، فها أنتم دائبون على التكليف مخاطبون بالتصحيح والتوسيف، وإلاّ فكان ينبغي أن مَن زنا منكم وسرق وافترى وفسق لا يؤاخذ