والحال فإنّ حقيقة الدولة أنّها مكافاة على الأعمال السابقة في ذلك القالب او غيره، والزاهد في الدنيا من غير علم يفوز بالاعتلاء والثواب ولا يتخلّص لعوز الآلة، والقانع المستغني إذا اقتدر على الثمانية الحال المذكورة واغترّ بها وتنجّح وظنّها الخلاص بقي عندها، وضرب مثل «1» للمتفاضلين في درجات المعرفة برجل غلّس مع تلاميذه في حاجة فاعترض لهم في الطريق شخص منتصب حجز ظلام الليل عن معرفة حقيقته فالتفت الرجل إلى تلاميذه وسألهم عنه واحدا بعد آخر، فقال الأوّل: لا أدري ما هو وقال الثاني: لا أدريه ولا قدرة لي على درايته، وقال الثالث: لا فائدة في معرفته فإنّ طلوع النهار يبديه فإن كان مخفيا انصرف بالاصباح وإن كان غيره اتّضح لنا أمره، فجميع الثلاثة قاصرون عن المعرفة، أوّلهم بالجهل والثاني بالعجز وآفة في الآلة والثالث بالتراخي والرضاء بالجهل وأمّا الرابع فلم يجد جوابا قبل التّثبّت فقصده وحين قاربه رأى يقطينا عليه ملتفّ «2» فعلم أنّ الانسان الحيّ المختار لا يبقى في موضعه قائما إلى أن يحصل عليه ذلك الالتفات وتحقّق أنّه موات منصوب، ثم لم يأمن أن يكون مخبئا لمزبلة شيء فدنا منه وركله برجله حتى سقط وزالت الشبهة في أمره وعاد إلى أستاذه بالخبر اليقين وقد فاز من يديه «3» بالمعرفة. وأمّا مشابه كلام اليونانيّين لهذه المعاني فإنّ «امّونيوس» حكى عن فيثاغورس قوله: ليكن حرصكم واجتهادكم في هذا العالم على الاتّصال بالعلّة الأولى التي هي علّة علّتكم ليكون بقاؤكم دائما وتنجون من الفساد والدثور، وتصيرون إلى عالم الحسّ الحقّ والسرور الحقّ والعزّ الحقّ في سرور ولذّات غير منقطعة، وقال فيثاغورس: كيف ترجون الاستغناء مع لبس الأبدان وكيف تنالون العتق وأنتم فيها محبوسون؟ وقال «امونيوس» : أمّا «انباذقلس» ومن تقدّمه إلى «هرقل» فإنّهم رأوا أنّ الأنفس الدنسة تبقى بالعالم متشبّثة حتى تستغيث بالنفس

طور بواسطة نورين ميديا © 2015