أحسّ بموته أكثر الإلحان طربا وسرورا بالمصير إلى مخدومه ولا أقلّ من أن يكون فرحي كفرح هذا الطائر بوصولي الى معبودي، ولهذا قالت الصوفيّة في تحديد العشق: إنّه الاشتغال بالخلق عن الحقّ، وفي كتاب «پاتنجل» : نقسم طريق الخلاص إلى أقسام ثلاثة، أحدها العملي بالتعويد ومداراة على قبض الحواسّ من خارج الى داخل حتى لا تشتغل إلّا بك، وقد اطلق لمن رام هذا الكفاف، ففي كتاب «بشن دهرم» : إنّ «پريكش» الملك الّذي من نسل «پرك» سأل «شتانيك» رئيس جماعة من الحكماء حضروه عن معنى من المعاني الإلهيّة؟
فأجابه بأنّه لا يقول فيه إلّا ما سمعه من «شونك» وهو عن «اوشن» وهو عن «براهم» : إنّ الله هو الّذي لا أوّل له ولا آخر لم يتولّد عن شيء ولم يولد شيئا إلّا ما لا يمكن ان يقال إنّه هو لا يمكن ان يقال إنّه غيره، وأنّى يكون لي طاقة بذكر من الخير المحض في رضاءه والشرّ المحض في سخطه؟ وهل يمكن إدراك معرفته حتى يعبد حقّ عبادته إلّا بالاشتغال به عن الدنيا بالكلّيّة وإدامة الفكرة فيه؟ فقيل له: إنّ الإنسان ضعيف وعمره نزر طفيف ولا تكاد نفسه تطاوعه على ترك الضروريّات في معاشه فيمنعه ذلك عن طريق الخلاص فلو كان في الزمان الأوّل حين امتدّت الأعمار إلى آلاف السنين وطابت الدنيا بعدم الشرور لكان يؤمّل عمل الواجب فأمّا في آخر الزمان فمادا تراه له في الدنيا الدائرة حتى يتمكّن من عبور البحر وينجو من الغرق؟ قال براهم: لا بدّ للإنسان من الغذاء والكنّ واللباس فلا بأس به فيها ولكّن الراحة ليست إلّا في ترك ما عداها من الفضول ومتاعب الأعمال فاعبدوا الله خالصا واسجدوا له وتقرّبوا إليه في موضع العبادة بالتحف من الطيب والزهر وسبّحوه وألزموه قلوبكم حتى لا تزايله وتصدّقوا على البراهمة وغيرهم وانذروا إليه النذور الخاصّة كترك اللحم والعامّة كالصوم، والحيوانات له فلا تميّزوها عنكم فتقتلوها واعلموا أنّه كلّ شيء فما تعملونه فليكن لأجله وإن تنعّمتم بشيء «1» من زخارف الدنيا فلا تنسوه في النيّة وإنّ غرضكم فيه التقوى والاقتدار