الإنسان السباع والبهائم بل الشياطين والأبالسة، وعلى إيثار القوة النطقيّة العقلية التي بها يشابه الملائكة المقرّبين، وعلي الإعراض عن أعمال الدنيا وليس يقدر على تركها إلّا برفض أسبابها من الحرص والغلبة وبذلك تنخزل القوّة الثانية من الثلاث الاول، إلّا أنّ ترك العمل يكون على وجهين، أحدهما بالكسل والتأخير والجهل على موجب القوّة الثالثة وليس هذا بالمطلوب فإنّه مذموم المغبّة والثاني بالاختيار والتبصرة وإيثار الأفضل للخيرورة وهو المحمود العاقبة، وترك الأعمال لا يتمّ إلّا بالعزلة والانفراد عن الشاغلات ليتمكّن من قبض الحواسّ عن المحسوسات الخارجة حتى لا يعرف أنّ وراءه شيء وتسكين الحركات والتنفّس، فقد علم أنّ الحريص ساع والساعي تعب والتعب ضابح فالضبح إذن نتيجة الحرص وبانقطاعه يصير التنفّس على مثال تنفّس المستغني عن الهواء في قرار الماء وحينئذ يستقرّ القلب على شيء واحد وهو طلب الخلاص والخلوص إلى الوحدة المحضة؛ وفي كتاب «كيتا» : كيف ينال الخلاص من بدّد قلبه ولم يفرده لله ولم يخلص عمله لوجهه؟ ومن صرف فكرته عن الأشياء إلى الواحد ثبت نور قلبه كثبات نور السراج الصافي الدهن في كنّ لا يزعزعه فيه ريح وشغله ذلك عن الإحساس بمؤلم من حرّ أو برد لعلمه أنّ ما سوى الواحد الحقّ خيال باطل؛ وفيه أيضا: إنّ الألم واللذّة لا يؤثران في العالم الحقيقي كما لا يؤثر دوام انصباب الأنهار إلى البحر في مائه، وهل يقدر على تسنّم هذه الثنيّة إلّا من قم؟؟؟ الشهوة والغضب وأبطلهما؟ ولأجل هذا الذي ذكر يجب ان تتّصل الفكرة اتّصالا يزول عنها العدد لأنّ العدد يقع على المرّات والمرّات لا تكون إلّا بسهو يتخلّلها فيفصل ما بينها ويمنع عن اتّحاد الفكرة بالمتفكّر فيه، وليست هذه هي الغاية المطلوبة إنّما هي اتّصال الفكرة وإليها يتدرّج إمّا في القالب الواحد وإمّا في القوالب بالتزام السيرة الفاضلة وتعويد النفس فيها حتّى تصير لها طبيعة وصفة ذاتيّة، والسيرة الفاضلة هي التي يفرضها الدين، وأصوله بعد كثرة الفروع عندهم راجعة إلى جوامع عدة هي أن لا يقتل ولا يكذب ولا يسرق ولا يزني ولا يدّخر ثم يلزم القدس

طور بواسطة نورين ميديا © 2015