كيف يحدث الوصال

بين القلب والقرآن؟!

عندما نتفكر في أسباب عدم انتفاعنا بالقرآن - السابق ذكرها - فإننا سندرك أن عودة الأمة إلى القرآن أمر غاية في الصعوبة، وكيف لا وقد استقر في الأذهان، وفي العقل الباطن، صورة مبتورة عن القرآن، وتكوَّن حاجز نفسي سميك بين العقل وبين الآيات المسموعة والمقروءة، وكأنها بلغة أخرى غير اللغة التي ننطقها، حتى ارتضى العقل ألا يبذل أي محاولة لفهم المراد منها .. هذا الحاجز - كما أسلفنا - يبدأ في التكون داخل المسلم منذ نعومة أظافره ..

لقد توارثت الأمة - جيلا بعد جيل- هذا التعامل الخاطئ مع القرآن، ورسخ في الأذهان مفاهيم خاطئة حول الطريقة المثلى لخدمته، وأن غاية المطلوب منه هو إتقان تلاوته، وحفظ حروفه، وكثرة قراءته لتحصيل الأجر والبركة دون ربط هذا كله بمعانيه .. مع أن النصوص القرآنية واضحة الدلالة بأن المقصود من قراءة القرآن: فهمة وتدبره، والفقه فيه والعمل به، وما التلاوة والسماع والحفظ إلا وسائل للانتفاع بكنوزه، كما قال بعض السلف: نزل القرآن ليُعمل به، فاتخذوا تلاوته عملا، ولهذا -كما يقول ابن القيم- كان أهل القرآن هم العالمون به، والعاملون بما فيه، وإن لم يحفظوه عن ظهر قلب.

وأما من حفظه ولم يفهمه، ولم يعمل بما فيه، فليس من أهله وإن أقام حروفه إقامة السهم (?).

فمع قوة ووضوح وكثرة النصوص الدالة على ذلك إلا أنها لم تقع مواقعها الصحيحة في النفوس.

فما الحل إذن وغالبية المسلمين لم يعودوا يدركون قيمة القرآن الحقيقية، ومقصد نزوله {قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ - يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [المائدة: 15، 16].

إنه أمر غاية في الصعوبة أن يكون دواء أحدنا في يديه، ثم يُعرض عنه، ليترك المرض يفتك بجسده ويهلكه.

الكثير منا يشكو مرض قلبه وضعف إيمانه، فإن دللته على القرآن، لا تجد لكلماتك أي وقع إيجابي في نفسه، وكيف لا والصورة الذهنية التي تقفز للأذهان عند الحديث عن القرآن صورة ناقصة مشوهة لا تُعطي لهذا الكتاب إلا قدسية شكلية فقط، ولا تربط بينه وبين وظائفه الحقيقية في التغيير والشفاء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015