أما الهوى فله أفرع كثيرة يمكن أن تُغذَّيه من خلال التعامل الشكلي مع القرآن منها: التقدم على الناس بحفظه، وتَصَدُّر المجالس لتعليم حروفه، والمباهاة بإتقانه، واتخاذه حِرفة و ....

فالأبواب المتفرعة من بابَيْ الجهل والهوى كثيرة ومتعددة وكلها تؤدي إلى عدم الانتفاع الحقيقي بالقرآن.

ليس وحده:

ومما تجدر الإشارة إليه أن العوامل والأسباب - السابق ذكرها - قد ساعدت الشيطان في الوصول لهدفه، وإبعاد غالبية الأمة عن الانتفاع الحقيقي بالقرآن.

فالصورة الموروثة، وطول الإلف، ونسيان الهدف من نزول القرآن، والانشغال بفروع العلم على حساب القرآن، وعدم ظهور آثار سلوكية إيجابية للكثير من المشتغلين بالقرآن ..

كل هذا سهل على الشيطان مهمته ..

الشيطان ملحاح بطئ اليأس:

إن هدف الشيطان هو إبعاد كل فرد في الأمة عن الانتفاع الحقيقي بالقرآن، لذلك فهو في البداية يجتهد في الحيلولة دون قراءة المسلم للقرآن، إما بالتسويف، أو بإشغاله بأمر آخر.

فإن قرأ بالفعل دخل عليه من مداخل متعددة:

مدخل التعب والنعاس.

مدخل تحصيل أكبر قدر من الحسنات ليدفع القارئ للقراءة السريعة غير المتدبرة.

مدخل شرود الذهن مع بعض الكلمات.

مدخل تذكيره بأمر من أمور الدنيا التي ينبغي عليه القيام بها ليترك القراءة.

مدخل الاهتمام الشديد بمخارج الحروف وإتقان التلاوة.

مدخل تخويفه من تدبر القرآن ..

يقول ابن هبيرة: ومن مكايد الشيطان تنفير عباد الله عن تدبر القرآن لعلمه أن الهدى واقع عند التدبر، فيقول: هذه مخاطرة، حتى يقول الإنسان: أنا لا أتكلم في القرآن تورعًا (?).

ويقول أبو حامد الغزالي في حديثه عن موانع فهم القرآن:

أن يكون الهم منصرفًا إلى تحقيق الحروف بإخراجها من مخارجها، وهذا يتولى حفظه شيطان وكل بالقراء ليصرفهم عن فهم معاني كلام الله عز وجل، فلا يزال يحملهم على ترديد الحرف يُخَّيل إليهم أنه لم يخرج من مخرجه، فهذا يكون تأملهم مقصورا على مخارج الحروف فأنى تنكشف له المعاني؟ وأعظم ضحكة للشيطان من كان مطيعًا لمثل هذا التلبيس (?).

(ومن تأمل هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإقراره كل لسان على قراءتهم تبين له أن التنطع، والتشدق، والوسوسة في إخراج الحروف ليس من سنته (?).

المعركة الحاسمة:

بهذه المداخل السابقة وغيرها، استطاع الشيطان أن يحقق مراده، ويُبعد الأمة عن جوهر القرآن، وعن وظيفته المتفردة في إحداث التغيير المتكامل للشخصية المسلمة.

فمنذ أن نزل القرآن من السماء، أصبحت أهم معركة للشيطان مع المسلمين هي إبعادهم عن دائرة تأثير هذا الكتاب ليسهل عليه إضلالهم وإبعادهم عن الصراط المستقيم.

ومن العجيب أن العبادة الوحيدة التي أمرنا الله عز وجل أن نستعيذ به، ونطلب حمايته لنا من الشيطان، قبل القيام بها: هي قراءة القرآن {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98].

فمن المعلوم أنه قبل أن يشرع المرء في الذكر أو الصيام أو إخراج الصدقة، فإنه غير مأمور بأن يستعيذ بالله من الشيطان.

فلماذا قراءة القرآن دون غيرها من العبادات؟!

أليس في هذا الأمر دلالة على أن الشيطان يجتهد ويجتهد في إبعاد الناس عنه، والحيلولة دون انتفاعهم به، وذلك لأنه يعلم بقيمة القرآن، وقدرته الفذة على التغيير والشفاء!!

من هنا يتبين لنا حكمة الاستعاذة بالله وطلب حمايته قبل بدء القراءة، فالشيطان لن يترك أحدًا ينتفع بالقرآن، ولا أمل أمامنا إلا بالاستعانة بالله عليه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015