والمقصد كذلك من طرح هذا الموضوع هو الدعوة لإعادة ترتيب الأولويات، ووضع الانتفاع الحقيقي بالقرآن على رأس قائمة الرعاية والاهتمام، ثم تأتي السُّنَّة بعده، ثم سائر العلوم الأخرى التي تخدم الإنسان وتنفعه في الدارين.

غيرة على القرآن .. ولكن!!

عندما انشغلت الأمة بالعلوم الأخرى وتوسع العلماء في فروع العلم، اشتدت غيرة بعض الصالحين على القرآن ففعلوا أمورًا عجيبة ظنًا منهم أنهم بذلك يُرغِّبون المسلمين في الانكباب مرة أخرى على القرآن، فجاءت للأسف بنتيجة عكسية.

ومن أبرز هذه الأمور هي: وضع أحاديث في فضائل القرآن، وفضائل سوره ليس لها أي أصل.

ذكر الإمام الزركشي في كتابه (البرهان في علوم القرآن): أنه قيل لنوح بن أبي مريم: من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضائل القرآن سورة سورة؟!

فقال: إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي محمد بن إسحاق، فوضعت هذه الأحاديث حسبة (?).

يقول د. مصطفى السباعي - رحمه الله - إن من أسباب وضع الأحاديث: الجهل بالدين مع الرغبة في الخير.

وهو صنيع كثير من الزهاد والعباد والصالحين. فقد كانوا يحتسبون وضعهم للأحاديث في الترغيب والترهيب، ظنًا منهم أنهم يتقربون إلى الله، ويخدمون دين الإسلام؛ ويحببون الناس في العبادات والطاعات، ولما أنكر العلماء عليهم ذلك وذكَّروهم بقوله صلى الله عليه وسلم: «من كذب علىَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار» (?).

قالوا: نحن نكذب له صلى الله عليه وسلم لا عليه. وهذا كله من الجهل بالدين وغلبة الهوى والغفلة، ومن أمثلة ما وضعوه في هذا السبيل حديث فضائل القرآن سورة سورة، فقد اعترف بوضعه نوح بن أبي مريم، واعتذر لذلك بأنه رأى الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة، ومغازي ابن إسحاق (?).

في كم يُختم القرآن؟!

ومن الأخبار التي دُست كذلك لتحفيز الناس لكثرة قراءة القرآن تلك التي تتناول هَدْى بعض السلف في ختم القرآن ..

فمن المعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُجز لأحد من الصحابة أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث.

فهذا عبد الله بن عمرو يقول: جمعت القرآن فقرأت به في كل ليلة، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لي: «اقرأ به في كل شهر» فقلت: أي رسول الله، دعني أستمتع من قوتي وشبابي، قال: «اقرأ به في كل عشرين»، قلت: أي رسول الله، دعني أستمتع من قوتي وشبابي، فقال: «اقرأ به في كل عشر»، قلت: يا رسول الله، دعني أستمتع من قوتي وشبابي، قال: «اقرأ به في كل سبع»، قلت: أي رسول الله دعني أستمتع من قوتي وشبابي، فأبى» (?).

وفي رواية: «لا يفقهه من يقرؤه في أقل من ثلاث» (?). فالأمر واضح، فالعقل والقلب لا يتحملان استيعاب القرآن كله - فهما وتجاوبا - في أقل من ثلاث، على الغالب.

يقول أبو الطيب محمد شمس الحق آبادي في تعليقه على هذا الحديث: وهذا نص صريح في أنه لا يختم القرآن في أقل من ثلاث (?).

وعن ابن مسعود قال: اقرأوا القرآن في سبع ولا تقرأوه في أقل من ثلاث (?).

وكان معاذ بن جبل يكره أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015