إن فصيلة دم أمتنا هي الإيمان، ويوم أن يضعف الإيمان، ويتمكن الهوى وحب الدنيا من قلوب أبنائها، فإنها بذلك تفقد مصدر قوتها وتميزها على سائر الأمم، وليس ذلك فحسب؛ بل إن ضعف الإيمان وغلبة الهوى من شأنه أن يستدعى غضب الله عليها لأنها بهذا الضعف لن تستطيع أن تبلغ رسالته، ومن ثَّم فإن العقوبات ستتوالى عليها حتى تفيق من غفلتها، وتعود للإيمان فتتقوى به، وليس أدل على ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد: سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم» (?).
وعن أنس بن مالك مرفوعًا: «يأتي على الناس زمان يدعو الرجل للعامة، فيقول الله: ادع لخاصتك أستجب، وأما العامة فلا، فإني عليهم غضبان» (?).
من هنا نقول بأن مشكلة أمتنا إيمانية بالدرجة الأولى، ولن ينصلح حالها، ولن تستعيد عافيتها إلا بالإيمان، فتستبدل بذلك غضب الله برضاه، ومن ثمَّ تستدعى نصره وتمكينه {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47].
وليس معنى القول بأن مشكلة أمتنا مشكلة إيمانية هو ترك الأخذ بأسباب التقدم المادية التي أخذت بها سائر الأمم، أو ترك الجهاد لتبليغ الدعوة وإقامة المشروع الإسلامي، بل المقصد هو إعادة ترتيب الأولويات، فالإيمان أولاً ثم يلي ذلك توجيه وتصريف الطاقة التي يولدها ذلك الإيمان في المجالات المختلفة، والسعي الدؤوب لاستكمال المشروع الإسلامي الذي يبدأ بإصلاح الفرد، فالبيت، فالمجتمع، وينتهي بأستاذية العالم {وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ} [الأنفال: 39].
مع الأخذ في الاعتبار أن أهم عامل لنجاح هذا المشروع هو وجود المسلم الصحيح الذي ممكَّن لله في قلبه، وفانعكس ذلك على سائر حياته ليتحقق فيه قوله تعالى: {إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162].
ولا يمكن أن يظهر هذا النموذج إلا بالإيمان، فالإيمان هو الوقود الذي يولِّد الطاقة الدافعة للقيام بالواجبات المختلفة في أي زمان ومكان {لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ أَن يُّجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ - إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} [التوبة: 44، 45].
فإن كانت فصيلة دم أمتنا هي الإيمان، وأننا الآن نعاني من نقص شديد فيه، فإن أعظم مقوٍ للإيمان هو القرآن (?).
فالقرآن هو المنبع العظيم للإيمان والذي لا يوجد له مثيل، ويكفي أنه ينادي على الجميع أن هلموا إلىَّ واستكملوا نقص إيمانكم، فمنابعي ممتلئة وجاهزة لإمدادكم جميعًا بما تحتاجونه من إيمان {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا} [آل عمران: 193].
يقول محمد بن كعب القرظي: «المنادي هو القرآن، ليس كلهم رأي النبي صلى الله عليه وسلم» (?).