لماذا لم ننتفع بالقرآن؟!

رأينا كيف أثَّر القرآن العظيم على الجيل الأول، ورأينا كيف كان أثر القرآن على مشركي مكة .. ليبقى السؤال: لماذا لا يفعل القرآن معنا مثل ما فعل معهم؟! ..

إننا حتى لم نقل عنه ما قاله الوليد بن المغيرة: «إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق، وإن أعلاه لمثمر، وإنه يعلو ولا يعلى عليه .. ».

إن القرآن هو القرآن، وأدوات الانتفاع به التي نملكها من أذن وعين ولسان وقلب هي نفس الأدوات التي استخدموها فأوصلتهم لتلك المرتبة العالية في تعاملهم مع القرآن، بل إن فرصتنا في الاستفادة أوسع منهم مع وجود المصاحف في كل مكان.

فلماذا لا يحدث معنا مثل ما حدث معهم؟!

لماذا لم يحدث معنا مثل ما حدث لمشركي مكة - على الأقل - من تأثرهم بالقرآن؟!

قبل الإجابة عن هذه الأسئلة نقرأ سويا هذه الكلمات للإمام حسن البنا - رحمه الله-:

حين أنزل الله القرآن على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وقرأه هذا النبي الكريم على الأمة العربية حينذاك، عمل في نفوسهم عمل السحر، وبلغ أثره أعماق هذه القلوب، وتغلغل في حنايا الضلوع، وتمكن من مكامن الأرواح، وبدل الله به هذه الأمة خلقًا آخر، فكان البون بعيدًا، والفارق عظيمًا بين الأمة العربية في جاهليتها وإسلامها.

ولقد أثر القرآن في نفوس المشركين والمؤمنين على السواء، ولكن أثره في نفوس المشركين كان أثرًا وقتيًا سلبيًا، وكانوا يفرون منه، ويضعون الحوائل فيما بينهم وبينه، ويقول بعضهم لبعض: {لاَ تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت: 26].

أما المؤمنون فكانوا {يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الألْبَابِ} [الزمر: 18].

فكان أثر القرآن في نفوسهم دائمًا إيجابيًا .. بدَّلهم وغيَّرهم، وحوَّلهم من حال إلى حال، ودفعهم إلى كرائم الخصال وجلائل الأعمال {اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَّشَاءُ} [الزمر: 23].

وها هو القرآن يُتلى علينا، ويُقرأ بين ظهرانينا، فهل تغيرت به نفوسنا، وانطبعت عليه أخلاقنا، وفعل في قلوبنا كما كان يفعل في قلوب أسلافنا؟!

لا أيها الإخوان .. لقد صرنا نقرأ القرآن قراءة آلية صرفة .. كلمات تتردد، ونغمات تتعدد، ثم لا شيء إلا هذا، أما فيض القرآن وروحانيته، وهذا السيل الدافق من التأثير القوي الفعال، فمن بيننا وبينه حجاب، ولهذا لم نكن صورة من النسخة الأولى التي تأثرت بالقرآن وتبدَّلت نفوسها به (?).

هل اللغة هي السبب؟!

فإن قلت: إن الجيل الأول تأثر هذا التأثر البالغ بالقرآن لأن العرب كانوا يتذوقون اللغة بالسليقة ويدركون معانيها ومراميها، أما نحن فلسنا مثلهم، لذلك يصعب علينا فهم القرآن ومن ثمَّ التأثر والانتفاع الحقيقي به.

بلا شك أن (من يتذوق العربية يدرك معاني قد تخفى على غير أهل اللغة) (?) ولكن هذا الأمر ليس شرطًا للانتفاع بالقرآن كهداية وشفاء.

فالذي أنزل القرآن وجعله للعالمين نذيرًا يعلم أن الناس جميعًا ليسوا من أهل اللغة المتذوقين لها ..

طور بواسطة نورين ميديا © 2015