وفي المقابل كانوا يجتهدون في تعليم من بعدهم القرآن بطريقة تربط بين اللفظ والمعنى، وتحقق مفهوم «التعليم، وكانوا يقتصرون في الجلسة الواحدة على آية أو بضع آيات حتى يتم الانتفاع الصحيح بها.

فهذا عبد الله بن مسعود كان إذا أصبح فخرج أتاه الناس إلى داره، فيقول: على مكانكم، ثم يمر بالذين يقرئهم القرآن، فيقول: أبا فلان، بأي سورة أنت؟ فيخبره، فيقول: في أي آية؟ فيخبره؟ فيفتح عليه الآية التي تليها، ثم يقول: تعلمها، فإنها خير لك مما بين السماء والأرض، فيظن الرجل أنه ليس في القرآن آية لعلها خير منها، ثم يمر بالآخر فيقول له مثل ذلك، حتى يقول ذلك لكلهم (?).

وقال أبو العالية: تعلموا القرآن خمس آيات خمس آيات، إنه أحفظ لكم، وإن جبريل صلوات الله عليه كان ينزل بخمس آيات متواليات (?).

وقال أبو رجاء العطاردي: كان أبو موسى يعلمنا القرآن خمس آيات خمس آيات (?).

خوف الصحابة على القرآن:

بعد أن ذاق الصحابة - رضوان الله عليهم - حلاوة القرآن، وأدركوا قيمته الحقيقية، والسر الأعظم لمعجزته، ووظيفته المتفردة في إنشاء الإيمان، وبناء اليقين الصحيح، ومن ثمَّ التقويم والتغيير .. بعد أن تأكدوا من هذا كله، ورأوا بأعينهم ثمار التعامل الصحيح مع هذا الكتاب في شتى الدوائر والمجالات، كان من أهم ما يشغل بالهم هو توصيل هذه الرسالة لمن بعدهم من الأجيال حتى لا يتحول القرآن من وسيلة عظيمة للتغيير إلى مجرد كتاب مقدس يُقرأ للتبرك والثواب فقط ..

لذلك كانوا حريصين على متابعة من بعدهم في كيفية تعاملهم مع القرآن، فالسيدة عائشة تسمع رجلا يقرأ القرآن قراءة سريعة، فقالت: ما قرأ هذا وما سكت (?).

* وجاء رجل يقال له: نُهيك بن سنان إلى عبد الله بن مسعود فقال له: يا أبا عبد الرحمن: كيف تقرأ هذا الحرف، ألفا تجده أم ياء «من ماء غير آسن» أو «من ماء غير ياسن» فقال عبد الله: وكل القرآن قد أحصيت غير هذا؟

قال نُهيك: إني لأقرأ المفصل في ركعة. فقال عبد الله: هذًّا كهذِّ الشعر؟ إن أقواما يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه، نفع (?) ..

* وقيل لعبد الله بن عمرو بن العاص: الرجل يقرأ في ليلة؟ فقال: أقد فعلتموها؟ لو شاء الله أنزله جملة واحدة، إنما فُصل ليعطي كل سورة حظها من الركوع والسجود (?).

* ورأى عبد الله بن مسعود مصحفًا مزينًا بالذهب فقال: إن أحسن ما زُينت به المصحف تلاوته ليلاً ونهارًا في الخلوة (?).

وكان أبو الدرداء يقول: إذا حليتم مصاحفكم، وزوقتم مساجدكم، فالدمار عليكم (?).

توجيهات ووصايا الصحابة نحو القرآن:

عن الحسن قال: كان رجل يكثر غشيان باب عمر رضي الله عنه، فقال له: اذهب فتعلم كتاب الله، فذهب الرجل، ففقده عمر ثم لقيه فكأنه عاتبه، فقال: وجدت في كتاب الله ما أغناني عن باب عمر (?).

أوصى جُندب بن عبد الله أهل البصرة بوصية فقال فيها: وعليكم بالقرآن، فإنه هدى النهار، ونور الليل المظلم، فاعملوا به على ما كان من جهد وفاقة (?).

أما الحسن بن على فيوصى وصية مهمة وضابطة لقراءة القرآن فيقول: اقرأ القرآن ما نهاك فإذا لم ينهك فلست تقرؤه (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015