* وقال الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه وقد حشا في أذنيه كُرسُّفا، لئلا يسمع القرآن: «فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله. فسمعت كلاما حسنا، فقلت في نفسي: واثكل أمي، والله إني لرجل لبيب شاعر، ما يخفى عليَّ الحسن من القبيح، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول؟
قال: فعرض علىَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام، وتلا علىَّ القرآن، فوالله ما سمعت قولا قط أحسن منه، ولا أمرًا أعدل منه .. فأسلمت (?).
* وهذا الجبير بن مطعم يأتي المدينة مع أسارى بدر فيسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة المغرب بسورة الطور، فلما قرأ: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} قال جبير: «كاد قلبي أن يطير»، وفي رواية «وذلك أول ما وقر من الإيمان في قلبي» (?).
* وحكت أم سلمة رضي الله عنها - أن النجاشي استقرأ جعفرًا رضي الله عنه القرآن، قالت: فقرأ عليه صدرًا من (كهيعص) .. فبكى النجاشي، حتى اخضلت لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم، حين سمعوا ما تلا عيهم، ثم قال النجاشي: إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة (?) ..
* وجاء وفد من نصاري الحبشة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، لما سمعوا به، فتلا عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم كلام الله «فلما سمعوا القرآن، فاضت أعينهم من الدمع ثم استجابوا لله، وآمنوا به» (?).
والسيرة مليئة بالأحداث التي تؤكد هذا المعنى وكيف أن الأثر الذي كان يُحدثه القرآن في نفس مستمعه هو السبب المباشر في إسلام الأنصار، ومن قبلهم المهاجرين.
فهذا هو أسيد بن حضير، وسعد بن معاذ، وكانا سيدي (الأوس)، قد عزما على إخراج مصعب بن عمير من يثرب بعد أن تزايد عدد من أسلم من أهلها على يديه، و كان مصعب في بستان من بساتين بنى (عبد الأشهل) يدعو الناس إلى الإسلام، ويقرأ عليهم القرآن.
فبدأ أُسيد بأن أخذ حربته، ومضى نحو البستان، فلما رآه أسعد بن زرارة مقبلاً قال لمصعب: ويحك يا مصعب، هذا سيد قومه، وأرجحهم عقلا: أسيد بن حضير، فإن يسلم يتبعه في إسلامه خلق كثير، فاصدق الله فيه ..
وقف أسيد بن حضير على الجمع، والتفت إلى مصعب وصاحبه أسعد، وقال: ما جاء بكما إلى ديارنا، وأغراكما بضعفائنا؟! اعتزلا هذا الحي إن كانت لكما بنفسيكما حاجة.
فالتفت مصعب إلى أسيد قائلا: يا سيد قومه، هل لك في خير من ذلك؟ قال: وما هو؟!
قال: تجلس إلينا، وتسمع منا، فإن رضيت ما قلناه قبلته، وإن لم ترضه تحولنا عنكم ولم نعد إليكم.
فقال أسيد: لقد أنصفت، وركز رمحه في الأرض وجلس، فأقبل عليه مصعب فكلمه عن الإسلام، وقرأ عليه شيئا من آيات القرآن، فانبسطت أساريره، وأشرق وجهه، وقال: ما أحسن هذا الذي تقول، ما أجلّ ذلك الذي تتلو!! كيف تصنعون إذا أردتم الدخول في الإسلام؟
قال مصعب: تغتسل وتطهر ثيابك، وتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وتصلي ركعتين، ففعل (?).
وهكذا نجد الأثر السريع للقرآن .. (لقد تلقوه مسحورين، يستوى في ذلك المؤمنون والكافرون: هؤلاء يُسحرون فيؤمنون، وهؤلاء يُسحرون فيهربون، ثم يتحدث هؤلاء وهؤلاء عما مسَّهم، فإذا هو حديث غامض لا يعطيك أكثر من صورة المسحور المبهور، الذي لا يعلم موضع السحر فيما يسمع من هذا النظم العجيب، وإن كان ليُحس منه في أعماقه هذا التأثير الغريب) (?).