يقول عبد الله بن مسعود: إن هذا الصراط محتضر تحضره الشياطين، يقولون: هَلُمَّ يا عبد الله، ليصدوا عن سبيل الله، فعليكم بكتاب الله فإنه حبل الله (?).
وللإمام ابن القيم كلام نفيس يؤكد قدرة القرآن الفذة - بإذن الله - على إغلاق بابي الشبهات والشهوات أمام الشيطان فيقول:
جماع أمراض القلب هي أمراض الشبهات والشهوات، والقرآن شفاء للنوعين.
ففيه من البينات والبراهين القاطعة ما يبين الحق من الباطل، فتزول أمراض الشبهات المفسدة للعلم والتصور والإدراك، بحيث يرى الأشياء على ما هي عليه ...
وليس تحت أديم السماء كتاب متضمن للبراهين على التوحيد، وإثبات الصفات، وإثبات المعاد والنبوات، ورد النِّحَل الباطلة، والآراء الفاسدة مثل القرآن.
فإنه كفيل بذلك كله، متضمن له على أتمّ الوجوه وأحسنها، وأقربها إلى العقول، وأفصحها بيانا ... وأحسن ما عند المتكلمين وغيرهم فهو في القرآن أصح تقريرًا، وأحسن تفسيرًا، فليس عندهم إلا التكلف والتطويل والتعقيد.
ولقد تأملت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلا، ولا تروى غليلا، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن .. ومن جرَّب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي.
أما شفاؤه لمرض الشهوات، فذلك لما فيه من الحكمة والموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب، والتزهيد في الدنيا، والترغيب في الآخرة، والأمثال والقصص التي فيها أنواع العبر والاستبصار، فيرغب القلب السليم فيما ينفعه، ويرغب عما يضره، فيصير القلب محبًا للرشد، مبغضًا للغي ...
فالقرآن مزيل للأمراض الموجبة للإرادات الفاسدة، فيصلح القلب، فتصلح إرادته، ويعود إلى فطرته التي فُطر عليها، فتصلح أفعاله الاختيارية الكسبية .. فيصير بحيث لا يقبل إلا الحق، كما أن الطفل لا يقبل إلا اللبن (?).
لذلك فإن القرآن للقلوب، كالغيث للأرض، فهو ينبت فيها الإيمان كما ينبت الماء الزرع.
وباستمرار تعرض القلوب للقرآن يزداد الإيمان، وتقوى الإرادة، ويصلح القلب حتى يصير كما قال صلى الله عليه وسلم: «أبيض مثل الصفا، لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض» (?).
هذا القلب هو القلب السليم الذي ليس للشيطان سلطان عليه لتحرره من سيطرة الهوى.
نعم، سيكون للشيطان بعض اللَّمات ولكن سرعان ما يفيق منها القلب، وتعود إليه بصيرته: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} [الأعراف: 201].
* * *