ومما يؤكد هذا المعنى المثال الذي ضربه الله عز وجل للناس وبيَّن فيه قدرة القرآن على التأثير والتغيير: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر: 21].

فالقرآن هو الرحمة العظمى التي أرسلها الله للبشرية لتكون بمثابة الوسيلة السهلة والدواء الناجع لشفائها من أمراضها وهدايتها إليه {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 57].

نعم - أخي - هذه هي أهم وأخطر وظيفة للقرآن، وهذا هو السر الأعظم لمعجزته، فكل آية من آياته، وكل سورة من سوره، تحمل منابع غزيرة للإيمان .. هذه المنابع جاهزة للتفجر والتدفق في قلب أي شخص يتعرض لها مهما بلغت قسوته، ومهما كانت عِلَّته.

فالقرآن لا يستعصى عليه - بإذن الله - مرض من الأمراض إلا ويشفيه ولا شبهة أو ظلمة من الظلمات إلا وينيرها بنور الله الذي يفيض ويشع من كل آياته وكلماته، فيتبدل حال كل من يتعرض له تعرضا مستمرا ليصبح شخصا آخر تتمثل فيه معاني العبودية الحقة، والتعامل الصحيح المتوازن مع كل متغيرات حياته.

القرآن وإغلاق مداخل الشيطان:

فإن قلت: وماذا يفعل القرآن في معركة العبد مع الشيطان؟!

جاءك الجواب بأن القرآن الذي يعد بمثابة الحبل المتين يُبعد مَنْ يتمسك به عن دائرة تأثير الشيطان من خلال أمور كثيرة لعل من أبرزها هو إغلاقه لبابَي الشبهات والشهوات اللذين يدخل منهما الشيطان على الإنسان.

فكل شبهة يثيرها الشيطان تجد الرد المقنع الحاسم عليها في القرآن بسهولة ويسر، مهما كانت الشبهة مثل: هل للكون إله، وهل اسمه الله، .. هل له ولد؟! .. هل له زوجة؟! هل له شريك؟! .. هل هناك حساب بعد الموت؟ .... فالقرآن يفيض بعشرات الآيات التي ترد ردا مقنعًا قاطعًا على مثل هذه الشبهات .. كقوله تعالى في الرد على شبهة عدم وجود خالق لهذا الكون: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور: 35].

ورده على من أثار شبهة أن القرآن من عند محمد صلى الله عليه وسلم وليس من عند الله {أَمْ

يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللهِ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ - فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ وَأَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ} [هود: 13، 14].

أما فعله لإغلاق باب الشهوات فيأتي من خلال تقوية الإيمان، وزيادته باستمرار .. وكلما ازداد الإيمان نقص الهوى، ومن ثم ضعف داعي الهوى في قلب الإنسان وقوي داعي الإيمان، ليصبح السلطان على القلب لمصلحة الإيمان، فيدخل العبد بذلك في دائرة قوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: 42] أي ليس لك على قلوبهم سلطان بسبب تمكن الإيمان منها، ولا يوجد مثل القرآن في قدرته الفذة على زيادة الإيمان {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [الأنفال: 2].

وكيف لا يكون القرآن كذلك، والذي أنزله هو الذي خلق الإنسان ويعلم ما توسوس به نفسه، ومن ثمَّ فهو يعرف داءه ودواءه {قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [الفرقان: 6].

إنه الدواء الرباني {قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ} [يونس: 57].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015