وقد عقد ابن خلدون لهم فضلا في مقدمته1 بسط فيه صناعتهم فقال: كانت العناية قديما بالدواوين العلمية والسجلات في نسخها وتجليدها وتصحيحها بالرواية والضبط، وكان سبب ذلك ما وقع من ضخامة الدولة وتوابع الحضارة، وقد ذهب العهد بذهاب الدولة وتقلص العمران، بعد أن كان منه في الملة الإسلامية بخر زاخر بالعراق والأندلس، إذ هو كله من توابع العمران واتساع نطاق الدولة، ونفاق أسواق ذلك لديهما، فكثر التآليف العليمة والدواوين، وحرص الناس على تناقلها في الآفاق والأمصار، فانتسخت وجلدت، وجاءت صناعة الوراقين المعانين للانتساخ والتصحيح والتجليد وسائر الأمور الكتبية والدواوين، واختصت بالأمصار العظيمة العمران".

ويفهم من هذا أن الوراقة جاءت تابعة لقوة الدولة واتساع الحضارة، وأن الوراقين كان لهم مكان في الأمصار العظيمة والبلدان الكبيرة، فهم بمثابة المطابع الحديثة التي تحتل أمصار بلادنا الآن. وكانت مهمتهم موزعة بين الانتساخ، والتصحيح، والتجليد، والتذهيب، وكل ما يمت إلى صناعة الكتب بصلة".

وكانت لهم أسواق في بعض الأمصار، كانت بمثابة المعاهد العلمية وجاءت في فهرست ابن النديم2 عن ابن دريد قال: "رأيت رجلا في الوراقين بالبصرة يقرأ كتاب المنطق لابن السكيت".

وكانت صناعة هؤلاء الوراقين رائجة رواجا. فالجاحظ3 يذكر أن يحيى بن خالد البرمكي لم يكن في خزانة كتبه كتاب إلا وله "ثلاث نسخ".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015