وبقي الناس على ذلك إلى أن ولي الرشيد الخلافة وقد كثر الورق، وفشا بين الناس، فأمر ألا يكتب الناس إلا في الكاغد؛ لأن الجلود ونحوها تقبل المحو والإعادة، فتقبل التزوير، بخلاف الورق فإنه متى محي فيه فسد، وإن كشط ظهر كشطه. وانتشرت الكتابة في الورق إلى سائر الأقطار، وتعاطاها من قرب ومن بعد".

مع ذلك ظل عِلْيةَ القوم يستعملون الجلود ويأنفون من الكتابة في الورق. وقد سجل الجاحظ في رسالة الجد والهزل1 التي ساقها إلى محمد بن عبد الملك بن الزيات، نقد محمد له في استعماله الورق وإهماله الجلود، ورده عليه فقال: "وما عليك أن تكون كتبي كلها من الورق الصيني ومن الكاغد الخرساني؟ قل لي: لم زينت النسخ في الجلود، ولم حثثتني على الأدم وأنت تعلم أن اجلود جافية الحجم، ثقيلة الوزن، إن أصابها الماء بطلت، وإن كان يوم لنق استرخت ولو لم يكن فيها إلا أنها تبغض إلى أربابها نزول الغيث، وتكره إلى مالكيها الحيا لكان في ذلك ما كفى ومنع منها. وقد علمت أن الوراق لا يخط في تلك الأيام سطرا، ولا يقطع فيها جلدا ... وهي أنتن ريحا وأكثر ثمنا وأحمل للغش، يغش الكوفي بالواسطي، والواسطي بالبصري ... ولو أراد صاحب علم أن يحمل منها قدر ما يكفيه في سفره لما كفاه حمل بعير، ولو أراد مثل ذلك من القطني لكفاه ما يحمل مع زاده.

وقلت لي: عليك بها فإنها أحمل للحك والتغيير، وأبقى على تعاور العارية وعلى تقليب الأيدي، ولرديدها ثمنن ولطرسها مرجوع ... وليس لدفاتر القطني أثمان في السوق وإن كان فيها كل حديث طريف، ولطف مليح، وعلم نفيس. وقلت: وعلى الجلود يعتمد في حساب الدواوين وفي الصكاك والعهود،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015