الممكن الجمع بين روايتهم وروايتها كما سيأتي بيانه في التعليق على " الرسالة " (ص 7 - 8) فخطؤها ليس في الاستدلال بالآية وإنما في خفاء القصة عليها على حقيقتها ولولا ذلك لكان موقفها موقف سائر الصحابة منها ألا وهو الموقف الجازم بها على ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم واعتبارها مستثناة من الآية
فتنبه لهذا واعلم أن من الفقه الدقيق الاعتناء بتتبع ما أقره النبي صلى الله عليه وسلم من الأمور والاحتجاج به لأن إقراره صلى الله عليه وسلم حق كما هو معلوم وإلا فبدون ذلك قد يضل الفهم عن الصواب في كثير من النصوص. ولا نذهب بك بعيدا فهذا هو الشاهد بين يديك فقد اعتاد كثير من المؤلفين وغيرهم أن يستدلوا بهذا الحديث - حديث القليب - على أن الموتى يسمعون متمسكين بظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: " ما أنتم بأسمع لما أقول منهم " غير منتبهين لإقراره صلى الله عليه وسلم الصحابة على اعتقادهم بأن الموتى لا يسمعون وأنه لم يرده عليهم إلا باستثناء أهل القليب منه معجزة له صلى الله عليه وسلم فعاد الحديث بالتنبه لما ذكرنا حجة على أن الموتى لا يسمعون وأن هذا هو الأصل فلا يجوز الخروج عنه إلا بنص كما هو الشأن في كل نص عام. والله تعالى الموفق
وقد يجد الباحث من هذا النوع أمثلة كثيرة ولعله من المفيد أن أذكر هنا ما يحضرني الآن من ذلك وهما مثالان:
الأول: حديث جابر عن أم مبشر رضي الله عنههما أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول عنه حفصة: " لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد من الذين بايعوا تحتها ". قالت: بلى يا رسول الله فانتهرها. فقالت حفصة: {وإن منكم إلا واردها} فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " قد قال الله عز وجل: {ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا} "
[32]