وأما الثالث: فلأن أحوال الآخرة غيب, ولا مجال للعقل في الجزم بإيجاب الفائدة, لاحتمال العقاب على الشكر.
واعترض / المعتزلة الدليل المذكور: بمنع بطلان التالي.
قولكم: لا فائدة للعبد في الدنيا نمنعه؛ لأن الأمن من احتمال العقاب بتقدير ترك الشكر فائدة, والاحتمال المذكور لازم الخطور ببال كل عاقل لأنه إذا رأى النعم التي أنعم الله بها عليه التي لا تحصى, علم أنه لا يمتنع كون المنعم بها ألزمه الشكر, وأنه إن لم يشكر عاقبه.
وردّه المصنف من وجهين:
الأول: أنا نمنع لزوم خطوره بالبال, لأنا نعلم أن ذلك ما خطر قط لأكثر الناس ببال وإنما يخطر بالبعض, وأنتم أوجبتم الشكر على الكل.
سلمنا لزوم الخطور, لكن خوف العقاب على الترك معارض لاحتمال العقاب على الشكر, إما لأنه تصرف في ملك الغير بغير إذن المالك وهو محتمل للعقاب عليه, وإما لأنه كالاستهزاء كمن شكر ملكًا عظيمًا على لقمة بل اللقمة بالنسبة إلى الملك أعظم, بل لا نسبة بينهما, وإذا كان كالاستهزاء فلا يأمن من العقاب بفعله.
وقدح بعضهم في الدليل المذكور: بأن الكلام على التنزل, وحينئذ تمنع الملازمة؛ لجواب أن يكون الشكر لنفسه, كما أن تحصيل المصلحة ودفع المفسدة [مطلوب] لنفسه.