مِنْ الْأُمُورِ الضَّرُورِيَّةِ وَالنَّظَرِيَّةِ.
(وَحَلُّ الْمُشْكِلَاتِ فِي الدِّينِ) لِتَنْدَفِعَ الشُّبُهَاتُ وَتَصْفُوَ الِاعْتِقَادَاتُ عَنْ تَمْوِيهَاتِ الْمُبْتَدِعِينَ وَمُعْضِلَاتِ الْمُلْحِدِينَ وَلَا يَحْصُلُ كَمَالُ ذَلِكَ إلَّا بِإِتْقَانِ قَوَاعِدِ عِلْمِ الْكَلَامِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْحُكْمِيَّاتِ وَالْإِلَهِيَّاتِ؛ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْإِمَامُ لَوْ بَقِيَ النَّاسُ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي صَفْوَةِ الْإِسْلَامِ لَمَا أَوْجَبْنَا التَّشَاغُلَ بِهِ، وَرُبَّمَا نَهَيْنَا عَنْهُ أَيْ: كَمَا جَاءَ عَنْ الْأَئِمَّةِ كَالشَّافِعِيِّ، بَلْ جَعَلَهُ أَقْبَحَ مِمَّا عَدَا الشِّرْكَ، فَأَمَّا الْآنَ وَقَدْ ثَارَتْ الْبِدَعُ وَلَا سَبِيلَ إلَى تَرْكِهَا تَلْتَطِمُ فَلَا بُدَّ مِنْ إعْدَادِ مَا يُدْعَى بِهِ إلَى الْمِلْكِ الْحَقِّ وَتَحِلُّ بِهِ الشُّبْهَةُ، فَصَارَ الِاشْتِغَالُ بِأَدِلَّةِ الْمَعْقُولِ وَحِلِّ الشُّبْهَةِ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ، وَأَمَّا مَنْ اسْتَرَابَ فِي أَصْلٍ مِنْ أُصُولِ الِاعْتِقَادِ فَيَلْزَمُهُ السَّعْيُ فِي إزَالَتِهِ حَتَّى تَسْتَقِيمَ عَقِيدَتُهُ اهـ. وَأَقَرَّهُ فِي الرَّوْضَةِ وَتَبِعَهُ الْغَزَالِيُّ فَقَالَ: الْحَقُّ أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ ذَمُّهُ وَلَا مَدْحُهُ فَفِيهِ مَنْفَعَةٌ وَمَضَرَّةٌ، فَبِاعْتِبَارِ مَنْفَعَتِهِ وَقْتَ الِانْتِفَاعِ حَلَالٌ أَوْ مَنْدُوبٌ أَوْ وَاجِبٌ، وَبِاعْتِبَارِ مَضَرَّتِهِ وَقْتَ الْإِضْرَارِ حَرَامٌ. وَيَجِبُ عَلَى مَنْ لَمْ يُرْزَقْ قَلْبًا سَلِيمًا أَنْ يَتَعَلَّمَ أَدْوِيَةَ أَمْرَاضِ الْقَلْبِ مِنْ كِبْرٍ وَعُجْبٍ وَرِيَاءٍ وَنَحْوِهَا، كَمَا يَجِبُ لَكِنْ كِفَايَةُ تَعَلُّمِ عِلْمِ الطِّبِّ.
(وَ) الْقِيَامُ (بِعُلُومِ الشَّرْعِ كَتَفْسِيرٍ وَحَدِيثٍ وَالْفُرُوعِ) الْفِقْهِيَّةِ زَائِدًا عَلَى مَا لَا بُدَّ مِنْهُ، (بِحَيْثُ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ) وَالْإِفْتَاءِ بِأَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا مُطْلَقًا وَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ عُلُومِ الْعَرَبِيَّةِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ وَعِلْمِ الْحِسَابِ الْمُضْطَرِّ إلَيْهِ فِي الْمَوَارِيثِ وَالْإِقْرَارَاتِ وَالْوَصَايَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَأْتِي فِي بَابِ الْقَضَاءِ، فَتَجِبُ الْإِحَاطَةُ بِذَلِكَ كُلِّهِ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ بِحَيْثُ إلَخْ مُتَعَلِّقٌ بِعُلُومٍ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ شَارِحٍ، وَتَعْرِيفُ الْفُرُوعِ لِلتَّفَنُّنِ؛ أَوْ لِأَنَّهَا لَمْ تُشْتَهَرْ مُرَادًا بِهَا الْفِقْهِيَّاتُ لَا مَعَ التَّعْرِيفِ دُونَ سَابِقَيْهَا.
وَبَحَثَ الْفَخْرُ الرَّازِيّ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ فَرْضُ الْكِفَايَةِ فِي اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQغُسْلُ الْمَيِّتِ وَتَكْفِينُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَدَفْنُهُ وَفِي اللَّقِيطِ الْتِقَاطُ الْمَنْبُوذِ وَذَكَرَ هُنَا الْجِهَادَ ثُمَّ اسْتَطْرَدَ إلَى ذِكْرِ غَيْرِهِ فَقَالَ اهـ.
(قَوْلُهُ: مِنْ الْأُمُورِ الضَّرُورِيَّةِ) فِيهِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ الضَّرُورِيُّ قَدْ يُقَامُ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ سم وَهُوَ كَذَلِكَ فَقَدْ يَكُونُ الضَّرُورِيُّ بِالنِّسْبَةِ لِبَعْضٍ غَيْرِ ضَرُورِيٍّ بِالنِّسْبَةِ لِآخَرَ وَقَدْ يُقَامُ عَلَى الضَّرُورِيِّ مُنَبِّهُهُ لِإِزَالَةِ خَفَاءٍ فِيهِ، وَالْمُنَبِّهُ بِصُورَةِ الدَّلِيلِ وَإِنْ لَمْ يُسَمَّ دَلِيلًا حَقِيقَةً وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ تَسْمِيَتِهِ دَلِيلًا حَقِيقَةً بِالنِّسْبَةِ لِمَا نَحْنُ فِيهِ إذْ الْقِيَامُ بِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ اهـ. سَيِّدُ عُمَرَ. (قَوْلُ الْمَتْنِ: وَحِلُّ الْمُشْكَلَاتِ) يَظْهَرُ أَنَّ الْمُشْكِلَ الْأَمْرُ الَّذِي يَخْفَى إدْرَاكُهُ لِدِقَّتِهِ، وَالشُّبْهَةُ الْأَمْرُ الْبَاطِلُ الَّذِي يَشْتَبِهُ بِالْحَقِّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَجِّ غَيْرُ حَلِّ الْمُشْكَلَاتِ، وَقَدْ يَقْدِرُ عَلَى الْأَوَّلِ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الثَّانِي سم عَلَى الْمَنْهَجِ اهـ. ع ش. (قَوْلُهُ: وَتَصْفُو) أَيْ: تَخْلُصُ، وَقَوْلُهُ: وَمُعْضَلَاتٌ إلَخْ أَيْ: مُشْكِلَاتٌ اهـ ع ش. (قَوْلُهُ: كَمَا ذَلِكَ) أَيْ: الْقِيَامُ بِإِقَامَةِ الْحُجَجِ وَحَلِّ الْمُشْكِلَاتِ. (قَوْلُهُ: وَالْإِلَهِيَّاتِ) مِنْ عَطْفِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ. (قَوْلُهُ: قَالَ الْإِمَامُ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَأَمَّا الْعِلْمُ الْمُتَرَجِّحُ بِعِلْمِ الْكَلَامِ فَلَيْسَ بِفَرْضِ عَيْنٍ وَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - يَشْتَغِلُونَ بِهِ قَالَ الْإِمَامُ إلَخْ. (قَوْلُهُ: فِي صَفْوَةِ الْإِسْلَامِ) أَيْ: فِي النُّورَانِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ حَاصِلَةً فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الِاشْتِغَالِ بِمَا يُفْسِدُ قُلُوبَهُمْ وَأَحْوَالَهُمْ اهـ. ع ش. (قَوْلُهُ: بِهِ) أَيْ: بِعِلْمِ الْكَلَامِ. (قَوْلُهُ: أَيْ: كَمَا جَاءَ عَنْ الْأَئِمَّةِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَالرَّوْضِ مَعَ شَرْحِهِ وَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ مِنْ تَحْرِيمِ الِاشْتِغَالِ بِعِلْمِ الْكَلَامِ مَحْمُولٌ عَلَى التَّوَغُّلِ فِيهِ، وَأَمَّا تَعَلُّمُ عِلْمِ الْفَلْسَفَةِ وَالشَّعْبَذَةِ وَالتَّنْجِيمِ وَالرَّمَلِ وَعُلُومِ الطَّبَائِعِيِّينَ وَالسِّحْرِ فَحَرَامٌ وَتَعَلُّمُ الشِّعْرِ مُبَاحٌ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ سُخْفٌ أَوْ حَثٌّ عَلَى شَرٍّ وَإِنْ حَثَّ عَلَى التَّغَزُّلِ وَالْبَطَالَةِ كُرِهَ اهـ.
(قَوْلُهُ: بَلْ جَعَلَهُ) أَيْ: جَعَلَ الشَّافِعِيُّ الِاشْتِغَالَ بِعِلْمِ الْكَلَامِ اهـ. مُغْنِي. (قَوْلُهُ: تَلْتَطِمُ) حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ تَرْكِهَا وَفِي الْقَامُوسِ الْتَطَمَتْ الْأَمْوَاجُ ضَرَبَ بَعْضُهَا بَعْضًا اهـ. (قَوْلُهُ: انْتَهَى) أَيْ: كَلَامُ الْإِمَامِ. (قَوْلُهُ: وَتَبِعَهُ) أَيْ: الْإِمَامُ. (قَوْلُهُ: ذَمُّهُ إلَخْ) أَيْ: عِلْمِ الْكَلَامِ اهـ. ع ش. (قَوْلُهُ: حَلَالٌ) أَيْ: مُبَاحٌ. (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ) إلَى قَوْلِهِ: وَبِمَا تَقَرَّرَ فِي الْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ: بِأَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا مُطْلَقًا. (قَوْلُهُ: أَنْ يَتَعَلَّمَ أَدْوِيَةَ أَمْرَاضِ الْقَلْبِ إلَخْ) وَقَدْ بَيَّنَهَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي إحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ فَلْيُرَاجِعْ مَنْ أَرَادَ، وَقَوْلُهُ: مِنْ كِبْرٍ إلَخْ بَيَانٌ لِأَمْرَاضِ الْقَلْبِ اهـ. ع ش
(قَوْلُهُ: زَائِدٌ إلَخْ) سَيَذْكُرُ مُحْتَرَزَهُ بِقَوْلِهِ: أَمَّا مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ إلَخْ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا إلَخْ) وَيَأْتِي أَنَّ الِاجْتِهَادَ الْمُطْلَقَ انْقَطَعَ مِنْ نَحْوِ ثَلَثِمِائَةِ سَنَةٍ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ. (قَوْلُهُ: وَمَا يَتَوَقَّفُ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى عُلُومِ الشَّرْعِ، وَقَوْلُهُ: ذَلِكَ أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفُرُوعِ (قَوْلُهُ: مِنْ عُلُومِ الْعَرَبِيَّةِ) بَيَانٌ لِمَا الْمَوْصُولَةِ. (قَوْلُهُ: وَغَيْرُ ذَلِكَ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَشَرْحُ الرَّوْضِ وَمِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ عِلْمُ الطِّبِّ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ لِمُعَالَجَةِ الْأَبْدَانِ وَالْحِسَابُ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ لِقِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ وَالْوَصَايَا وَالْمُعَامَلَاتُ وَأُصُولُ الْفِقْهِ وَالنَّحْوُ وَاللُّغَةُ وَالتَّصْرِيفُ وَأَسْمَاءُ الرُّوَاةِ وَالْجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ وَاخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ وَاتِّفَاقُهُمْ اهـ. (قَوْلُهُ: بِذَلِكَ كُلِّهِ إلَخْ) أَيْ: بِمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ذَلِكَ اهـ. رَشِيدِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَبِمَا تَقَرَّرَ) أَيْ: مِنْ قَوْلِهِ: وَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ شَارِحٍ) وَهُوَ الْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ جَعَلَهُ مُتَعَلِّقًا بِالْفُرُوعِ خَاصَّةً وَصَوَّبَهُ سم وَأَطَالَ فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــSبِفَرْضِ الْعَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ الْقَائِمِ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ، وَإِنْ أَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ فِي الرَّوْضَةِ م ر
(قَوْلُهُ: الضَّرُورِيَّةِ) فِيهِ شَيْءٌ مَعَ كَوْنِ الْكَلَامِ فِي إقَامَةِ الْحُجَجِ وَالْبَرَاهِينِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الضَّرُورِيُّ قَدْ يُقَامُ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ
(قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ شَارِحٍ وَتَعْرِيفُ الْفُرُوعِ لِلتَّفَنُّنِ إلَخْ) قَالَ الْمُحَقِّقُ الْمَحَلِّيُّ وَعُرْفُ الْفُرُوعِ دُونَ مَا قَبْلَهُ لِمَا ذُكِرَ بَعْدَهُ اهـ. وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا مُصَرِّحَةٌ بِمَا قَالَهُ حَيْثُ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: وَأَمَّا فَرْضُ الْكِفَايَةِ فَالْقِيَامُ بِعُلُومِ الشَّرْعِ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ التَّفْسِيرُ وَالْحَدِيثُ عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْوَصِيَّةِ وَمِنْهَا أَنْ يَنْتَهِيَ فِي مَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ إلَى حَيْثُ يَصْلُحُ لِلْفَتْوَى وَالْقَضَاءِ. اهـ. وَهُوَ قَرِينَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى إرَادَةِ تَوْجِيهِ الْمُحَقِّقِ لِلتَّعْرِيفِ، وَلَهُ أَنْ يُؤَيِّدَ هَذَا التَّوْجِيهَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى بِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْعُلُومِ الثَّلَاثَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ فِي نَفْسِهِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ