بِالْأَوَّلِ وَحْدَهُ، وَنُوزِعَ فِيهِ بِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى عَدَمِ وُجُوبِ قِتَالِهِمْ عَلَى الدَّوَامِ وَهُوَ بَاطِلٌ إجْمَاعًا، وَيُرَدُّ بِأَنَّ الثُّغُورَ إذَا شُحِنَتْ كَمَا ذُكِرَ كَانَ فِي ذَلِكَ إخْمَادٌ لِشَوْكَتِهِمْ وَإِظْهَارٌ لِقَهْرِهِمْ بِعَجْزِهِمْ عَنْ الظَّفَرِ بِشَيْءٍ مِنَّا، وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ لِمَا يَأْتِي أَنَّهُ إذَا اُحْتِيجَ إلَى قِتَالِهِمْ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ وَجَبَ، فَكَذَا إذَا اكْتَفَيْنَا هُنَا بِتَحْصِينِ الثُّغُورِ وَاحْتِيجَ لِقِتَالِهِمْ وَجَبَ، وَأَمَّا ادِّعَاءُ إيجَابِ الْجِهَادِ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً مَعَ تَحْصِينِ الثُّغُورِ فَهُوَ وَإِنْ أَفْهَمَتْهُ عِبَارَاتٌ لَكِنَّهُ إنَّمَا يُتَّجَهُ حَيْثُ لَا عُذْرَ فِي تَرْكِهِ مَرَّةً فِي السَّنَةِ، ثُمَّ رَأَيْت عِبَارَةَ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَعِبَارَةَ الْأَذْرَعِيِّ فِي بَابِ الْإِحْصَارِ صَرِيحَتَيْنِ فِي الْوُجُوبِ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً مُطْلَقًا، زَادَ الْأَوَّلُ إلَّا أَنْ تَدْعُوَ حَاجَةٌ إلَى التَّأْخِيرِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ، وَالثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ الْأُصُولِيِّينَ الْجِهَادُ دَعْوَةٌ قَهْرِيَّةٌ فَتَجِبُ إقَامَتُهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ حَتَّى لَا يَبْقَى إلَّا مُسْلِمٌ أَوْ مُسَالِمٌ، وَلَا يَخْتَصُّ بِمَرَّةٍ فِي السَّنَةِ وَلَا يُعَطَّلُ إذَا أَمْكَنَتْ الزِّيَادَةُ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَإِنْ اخْتَارَهُ الْإِمَامُ ثُمَّ وُجِّهَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ تَجْهِيزَ الْجُيُوشِ لَا يَتَأَتَّى غَالِبًا فِي السَّنَةِ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ تَدْعُ الْحَاجَةُ إلَى أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ وَإِلَّا وَجَبَ، وَشَرْطُهُ كَالْمَرَّةِ أَنْ لَا يَكُونَ بِنَا ضَعْفٌ أَوْ نَحْوُهُ كَرَجَاءِ إسْلَامِهِمْ، وَإِلَّا أَخَّرَ حِينَئِذٍ، وَيُسَنُّ أَنْ يُبْدَأَ بِقِتَالِ مَنْ يَلُونَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْخَوْفُ مِنْ غَيْرِهِمْ أَكْثَرَ فَتَجِبُ الْبُدَاءَةُ بِهِمْ، وَأَنْ يُكْثِرَهُ مَا اسْتَطَاعَ وَيُثَابَ عَلَى الْكُلِّ ثَوَابَ فَرْضِ الْكِفَايَةِ، وَحُكْمُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ الَّذِي هُوَ مُهِمٌّ يُقْصَدُ حُصُولُهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ بِالذَّاتِ لِفَاعِلِهِ، أَنَّهُ (إذَا فَعَلَهُ مَنْ فِيهِمْ كِفَايَةٌ) وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ فَرْضِهِ كَذَوِي صِبًا أَوْ جُنُونٍ أَوْ أُنُوثَةٍ إلَّا فِي مَسَائِلَ كَصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى مَا مَرَّ فِيهَا، (سَقَطَ الْحَرَجُ) عَنْهُ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ وَ (عَنْ الْبَاقِينَ) رُخْصَةً وَتَخْفِيفًا عَلَيْهِمْ؛ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْقَائِمُ بِهِ أَفْضَلَ مِنْ الْقَائِمِ بِفَرْضِ الْعَيْنِ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ وَأَقَرَّ فِي الرَّوْضَةِ الْإِمَامَ عَلَيْهِ، وَأَفْهَمَ السُّقُوطُ أَنَّهُ يُخَاطَبُ بِهِ الْكُلُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَأَنَّهُ إذَا تَرَكَهُ الْكُلُّ أَثِمَ أَهْلُ فَرْضِهِ كُلِّهِمْ، وَإِنْ جَهِلُوا أَيْ وَقَدْ قَصَّرُوا فِي جَهْلِهِمْ بِهِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ: لِتَقْصِيرِهِمْ كَمَا لَوْ تَأَخَّرَ تَجْهِيزُ مَيِّتٍ بَقَرِيَّة أَيْ: مِمَّنْ تَقْضِي الْعَادَةُ بِتَعَهُّدِهِ، فَإِنَّهُ يَأْثَمُ وَإِنْ جُهِلَ مَوْتُهُ لِتَقْصِيرِهِمْ بِعَدَمِ الْبَحْثِ عَنْهُ
وَلَمَّا كَانَ شَأْنُ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ مُهِمًّا لِكَثْرَتِهَا وَخَفَائِهَا ذَكَرَ مِنْهَا جُمْلَةً فِي أَبْوَابِهَا ثُمَّ اسْتَطْرَدَ هُنَا جُمْلَةً أُخْرَى مِنْهُ فَقَالَ: (وَمِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ الْقِيَامُ بِإِقَامَةِ الْحُجَجِ) الْعِلْمِيَّةِ وَالْبَرَاهِينِ الْقَاطِعَةِ فِي الدِّينِ عَلَى إثْبَاتِ الصَّانِعِ سُبْحَانَهُ، وَمَا يَجِبُ لَهُ مِنْ الصِّفَاتِ وَيَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ مِنْهَا وَالنُّبُوَّاتِ وَصِدْقِ الرُّسُلِ وَمَا أُرْسِلُوا بِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ مَا صَرَّحَ إلَخْ وَالْمَآلُ وَاحِدٌ. (قَوْلُهُ: بِالْأَوَّلِ) أَيْ: بِتَشْحِينِ الثُّغُورِ. (قَوْلُهُ: لَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِالْأَوَّلِ مَا ذُكِرَ أَيْ: عَدَمُ وُجُوبِ الْقِتَالِ عَلَى الدَّوَامِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَفْهَمَتْهُ عِبَارَاتُ إلَخْ) هَذَا الَّذِي أَفْهَمَتْهُ عِبَارَاتٌ هُوَ صَرِيحُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ الْأَصْحَابِ كَمَا بَيَّنَهُ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الْبُرُلُّسِيُّ عَلَى وَجْهٍ لَا يُبْقِي لِعَاقِلٍ عُذْرًا فِي تَرْكِ اعْتِقَادِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ فِي مُؤَلَّفٍ حَافِلٍ عَرَضَهُ عَلَى عُلَمَاءِ عَصْرِهِ مِنْ مَشَايِخِهِ وَغَيْرِهِمْ فَوَافَقُوهُ عَلَيْهِ وَصَرَّحُوا بِأَنَّ مَا فِيهِ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا يَمْتَرِي فِيهِ عَاقِلٌ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ: وَإِنْ حَصَّنَ الثُّغُورَ. (قَوْلُهُ: زَادَ الْأَوَّلُ) أَيْ: شَرْحُ الْمُهَذَّبِ، وَقَوْلُهُ: وَالثَّانِي أَيْ: وَزَادَ الْأَذْرَعِيُّ. (قَوْلُهُ: إنَّ ذَلِكَ) أَيْ: الْوُجُوبَ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً مُطْلَقًا. (قَوْلُهُ: وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ) أَيْ: الِادِّعَاءَ الْمَذْكُورَ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ ضَعِيفٌ) أَيْ: قَوْلُ الْأُصُولِيِّينَ بِوُجُوبِ الزِّيَادَةِ فِي سَنَةٍ عَلَى مَرَّةٍ عِنْدَ الْإِمْكَانِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ وَجَّهَ) أَيْ: الْإِمَامُ الْأَوَّلَ أَيْ: الْوُجُوبَ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً مَعَ التَّحْصِينِ. (قَوْلُهُ: وَمَحَلُّ الْخِلَافِ) إلَى الْمَتْنِ فِي النِّهَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَمَحَلُّ الْخِلَافِ) أَيْ: فِي قَدْرِ الْوَاجِبِ فِي كُلِّ سَنَةٍ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا أَخَّرَ) أَيْ: وُجُوبًا اهـ. ع ش. (قَوْلُهُ: وَحُكْمُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ) إلَى قَوْلِهِ: وَمِنْ ثَمَّ فِي النِّهَايَةِ إلَّا قَوْلَهُ: إلَّا فِي مَسَائِلَ إلَى الْمَتْنِ. (قَوْلُهُ: الَّذِي إلَخْ) صِفَةٌ كَاشِفَةٌ لِمَاهِيَّةِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ. (قَوْلُهُ: بِقَصْدِ حُصُولِهِ إلَخْ) أَيْ: بِقَصْدِ حُصُولِهِ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يُنْظَرُ إلَى فَاعِلِهِ إلَّا بِالتَّبَعِ لِلْفِعْلِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِدُونِ فَاعِلٍ فَخَرَجَ فَرْضُ الْعَيْنِ فَإِنَّهُ مَنْظُورٌ بِالذَّاتِ إلَى فَاعِلِهِ حَيْثُ قَصَدَ حُصُولَهُ مِنْ كُلِّ عَيْنٍ أَوْ مِنْ عَيْنٍ مَخْصُوصَةٍ كَالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا فُرِضَ عَلَيْهِ دُونَ أُمَّتِهِ وَلَمْ يُقَيِّدْ قَصْدَ الْحُصُولِ بِالْجَزْمِ احْتِرَازًا عَنْ سُنَّةِ الْكِفَايَةِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ تَمْيِيزُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ عَنْ فَرْضِ الْعَيْنِ، وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِمَا ذَكَرَ شَرْحُ جَمْعِ الْجَوَامِعِ لِلْمَحَلِّيِّ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا) إلَى قَوْلِهِ: إلَّا فِي مَسَائِلَ فِي الْمُغْنِي. (قَوْلُهُ: مِنْ أَهْلِ فَرْضِهِ) الْأَوْلَى مِنْ أَهْلِهِ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْقَائِمُ بِهِ أَفْضَلَ إلَخْ) وِفَاقًا لِلْأَسْنَى وَخِلَافًا لِلْمَحَلِّيِّ وَالْمُغْنِي وَالنِّهَايَةِ عِبَارَتُهُ نَعَمْ الْقَائِمُ بِفَرْضِ الْعَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ الْقَائِمِ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ خِلَافًا لِمَا نُقِلَ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ وَإِنْ أَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ فِي الرَّوْضَةِ اهـ وَعِبَارَةُ الْمُغْنِي وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ فَرْضَ الْعَيْنِ أَفْضَلُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ فِي شَرْحِهِ عَلَى جَمْعِ الْجَوَامِعِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَفْهَمَ السُّقُوطُ) إلَى قَوْلِهِ: أَخْذًا فِي النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي. (قَوْلُهُ: السُّقُوطَ) أَيْ: عَنْ الْبَاقِينَ. (قَوْلُهُ: يُخَاطَبُ بِهِ الْكُلُّ) أَيْ: كُلٌّ مِنْ أَهْلِ الْفَرْضِ. (قَوْلُهُ: إذَا تَرَكَهُ الْكُلُّ) أَيْ: كُلٌّ مِنْ أَهْلِ الْفَرْضِ وَغَيْرِهِمْ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ آنِفًا. (قَوْلُهُ: أَثِمَ أَهْلُ فَرْضِهِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي أَثِمَ كُلُّ مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ مِنْ الْأَعْذَارِ الْآتِي بَيَانُهَا اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ تَأَخَّرَ إلَخْ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ: وَأَنَّهُ إذَا تَرَكَهُ الْكُلُّ أَثِمَ أَهْلُ فَرْضِهِ كُلُّهُمْ إلَخْ، وَيُحْتَمَلُ إلَى خُصُوصِ قَوْلِهِ أَيْ: وَقَدْ قَصَّرُوا إلَخْ
. (قَوْلُهُ: وَلَمَّا كَانَ) إلَى قَوْلِهِ: وَأَمَّا مَنْ اسْتَرَابَ فِي الْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ: وَلَا يَحْصُلُ إلَى قَالَ الْإِمَامُ: وَإِلَى قَوْلِهِ: وَعَلَيْهِ حُمِلَ الْخَبَرُ الْحَسَنُ فِي النِّهَايَةِ إلَّا قَوْلَهُ: وَرُبَّمَا إلَى فَأَمَّا، وَقَوْلُهُ: وَأَمَّا إلَى فَقَالَ: وَقَوْلُهُ: خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ شَارِحٍ، وَقَوْلُهُ: وَلِأَنَّهَا إلَى قَوْلِهِ: وَبَحَثَ. (قَوْلُهُ: جُمْلَةٌ فِي أَبْوَابِهَا) عِبَارَةُ الْمُغْنِي فِي الْجَنَائِزِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSبَعْدَهَا أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُسْلِمِينَ إلَخْ
. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَفْهَمَتْهُ عِبَارَاتُ إلَخْ) هَذَا الَّذِي أَفْهَمَتْهُ عِبَارَاتٌ هُوَ صَرِيحُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِ هِمَا مِنْ الْأَصْحَابِ كَمَا بَيَّنَهُ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الْبُرُلُّسِيُّ عَلَى وَجْهٍ لَا يَبْقَى لِعَاقِلٍ عُذْرٌ فِي تَرْكِ اعْتِقَادِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ فِي مُؤَلَّفٍ حَافِلٍ عَرَضَهُ عَلَى عُلَمَاءِ عَصْرِهِ مِنْ مَشَايِخِهِ وَغَيْرِهِمْ فَوَافَقُوهُ عَلَيْهِ وَصَرَّحُوا بِأَنَّ مَا فِيهِ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا يَمْتَرِي فِيهِ عَاقِلٌ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْقَائِمُ بِهِ أَفْضَلَ مِنْ الْقَائِمِ بِفَرْضِ الْعَيْنِ إلَخْ) نَعَمْ الْقَائِمُ