ثم توجه لقراءة الحديث؛ فسمع صحيح مسلم في تسعة مجالس بقراءة الوزير أبي القاسم الأزدي قراءة صحيحة1, وسمع بدار الحديث الأشرفية نحوا من خمسمائة جزء بالإجازات والسماع في الحديث، من شيخه المسند أبي العباس بن الشحنة2.
كما أنه درس القراءات والتفسير, وعني بالفقه والأصول، ودرس التاريخ، وعلم الرجال، والنحو والشعر وآداب العرب، وغيرها من العلوم. وهكذا أخذ يقرأ ويواصل ويتابع ويعكف على العلم, ويجلس إلى العلماء يأخذ عنهم ويحفظ المتون ويقرأ المطولات. وقد حظي ابن كثير بشيوخ أجلاء وعلماء فضلاء كان لهم تأثير واضح في علمه وثقافته، وقد عرفوا بغزارة العلم وسعة الاطلاع كما عرفوا بالتقوى والورع والإخلاص أمثال الحافظ المزي، والذهبي، وابن تيمية، وغيرهم كثير, عليهم رحمة الله تعالى جميعا. وما زال كذلك حتى أتقن العلوم ونال حظه الوافر من جميع الفنون؛ فشهد بعلمه العلماء، وبرسوخه وتقدمه الفضلاء، فأعطيت له الإجازات واشتهر بالضبط والتحرير3, حتى ذاع صيته وطار في الأمصار ذكره، وتولى مشيخة العديد من المدارس، وانتهت إليه رئاسة العلم في التفسير والحديث والفقه والتاريخ4 ... فهرع إليه طلاب العلم من كل صقع, يطلبون علمه ويتفقهون به, ويحفظون عنه ويسمعون منه.