شكواهم إِلَى غَيره وَإِذا شكا بَعضهم إِلَى بعض فَإِنَّمَا ذَلِك جَعَلُوهُ سَببا وَلَا يشكيهم فِي الْحَقِيقَة وَيدْفَع ضيرهم إِلَّا الله سُبْحَانَهُ ثمَّ قَالَ يَا كريم الصفح يَا عَظِيم الْمَنّ وَصفه عز وَجل بِأَن صفحه عَن المذنبين كريم صفح غير مشاب بِمَا يكدره وَلَا مخلوط بِمَا ينغصه وَوَصفه بِأَن مِنْهُ عَظِيم أَي عطاءه لِعِبَادِهِ وتفضله عَلَيْهِم عَظِيم فخزائن ملكه لَا تنفد وواسع كرمه لَا يضيق ثمَّ وَصفه بِأَنَّهُ يَبْتَدِئ عباده بِالنعَم قبل اسْتِحْقَاقهَا فَإِنَّهُ ينعم عَلَيْهِم وهم لَا يطيعونه بل ينعم عَلَيْهِم وهم يعصونه وينعم عَلَيْهِم قبل أَن يبلغُوا مبالغ من يتعقل الْعِبَادَة وَيحسن فعلهَا بل ينعم عَلَيْهِم فِي بطُون أمهاتهم فسبحان من أعْطى بِلَا حِسَاب وأنعم بِلَا اسْتِحْقَاق وتفضل بِلَا عوض ثمَّ قَالَ يَا رَبنَا وَيَا سيدنَا وَيَا مَوْلَانَا لَا خلاف فِي جَوَاز إِطْلَاق السَّيِّد وَالْمولى على الرب سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَاخْتلفُوا فِي جَوَاز إِطْلَاقه على العَبْد وَقد ورد الحَدِيث السَّيِّد هُوَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَورد على لِسَان النُّبُوَّة فِي إِطْلَاقه على الْبشر مثل قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قومُوا إِلَى سيدكم وَقَوله إِن ابْني هَذَا سيدكم وَقَوله هَذَا سيد الْوَبر وَغير ذَلِك وَورد إِطْلَاق الْمولى على العَبْد مثل من كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ وَنَحْوه كثير وَفِي قَوْله غَايَة رغبتنا مَا يثير هَمهمْ الصَّالِحين إِلَى الِاقْتِدَاء بِسَيِّد الْمُرْسلين بِأَن يجْعَلُوا رَبهم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى غَايَة رغبتهم ومنتهى طلبتهم ثمَّ بعد هَذِه الممادح الْعَظِيمَة الَّتِي استفتح بهَا ذكر مَا هُوَ الْمَقْصُود من هَذِه الْمُنَاجَاة وَالْمَطْلُوب من هَذِه المناداة فَقَالَ أَن لَا تشوي خلقي بالنَّار تشوي بِفَتْح حرف المضارعة وَسُكُون الْمُعْجَمَة وَكسر الْوَاو من شوى يشوي وَخص الْخلق لِأَنَّهُ يَشْمَل جَمِيع ذَات الْإِنْسَان فَالْمُرَاد لَا تشوي ذاتي بالنَّار

تفكر هداك الله كَيفَ كَانَ هدى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي غفر الله لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر من سُؤَاله ربه عز وَجل بِأَن لَا يعذبه بالنَّار مَعَ الِاسْتِعَانَة على الْإِجَابَة بِهَذِهِ الممادح الَّتِي لَا يخيب قَائِلهَا وَلَا يرد المتوسل بهَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015