حرصه على أمور الدنيا مع حضور أجله. فمضيت ومعي العباس إلى دار السلطان وجلسنا على انتظار إذنه، ثم أذن لنا فدخلنا. فلما حصلنا في وسط دهليز الصحن السبعيني استدار العباس فصار في وجهي وقال لي: والله لئن ألقيت هذا الأمر إلي ونزلت عنه لي لأكون فيه من قبلك ومتصرفاً على أمرك. فعجبت من قوله وقلت: ستعلم ما يجري، وأرجو توفيق الله تبارك وتعالى. ووصلنا إلى الخليفة وأوصلت الرقعة. فلما قرأها سأل عن خبره، فعرفته أنه في آخر رمقه وما نقدر أننا نلحقه فدمعت عيناه ثم التفت إلي وجعل يخاطبني مخاطبة من قد رد الأمر إلي واعتمد فيه علي. وقال لي في عرض قوله: أنت يا علي في نفسي مذ كنت بالرقة، وأنا أعرف أخبارك آثارك، وقد آل الأمر الآن إليك ووقع اختياري عليك، فتتجرد في القيام به وإزالة الخلل عنه، وتفعل وتصنع. قلت: أنا يا أمير المؤمنين رجل ضيق العطن وفي استقصاء وشدة لا يصلحان لمتولي هذا الأمر وشغلي بما أخدم فيه طويل عريض، وإن نقلت إلى ما هو أكثر منه بعلت ووقفت. فراجعني القول وراجعته في الاستعفاء وقلت: وهذا العباس أعرف بما كان القاسم عليه من طرق الخدمة، وإن عول عليه كنا أعوانه وأعضاده. قال: فتضمن لي القيام بالشد منه حتى يستقيم ما يناط به؟ قلت: أفعل وأبذل عمن يليني من الكتاب مثل ذلك. فدعا بالدواة وكتب الجواب بالتوجع والدعاء وقال: فإن أعوذ بالله بليت فيك بما لا أقدر على دفعه فلن أعدل عن اختيارك ورد الأمر إلى من أشرت به. فأما الولد والحرم فأولادي وحرمي، والله يصونهم ببقائك ويدفع لنا عن حوبائك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015