في سنة خمسين وثلاثمائة، وقد تقلبت به الأيام وبأهل بيته، وهو بحضرة أبي محمد المهلبي، وقد كان العيارون ثاروا بمدينة السلام وأوقعوا فتناً عظيمة، أصلها أن عربد رجل عباسي على رجل علوي في خندق طاهر وهما على نبيذ، فقتل العلوي، ونفر أهله واستغاثوا لأجله، ودخل العامة بين الفريقين، وشرفت القصة إلى ما احتيج معه إلى إقامة الديلم في الأرباع وترتيبهم في كثير من الأصقاع، وحتى أغلق العباسيون باب المسجد الجامع بالمدينة، ومنعوا من صلاة الجمعة، وزادوا في إشعال النائرة. ودبر أبو محمد الأمر بأن قبض على جماعة من وجوه العباسيين وكثير من المستورين والعيارين، وأدخل فيهم عدة قضاة وشهود وصلحاء عباسيين، وكان منهم أبو بكر بن عبد العزيز. ثم جلس لهم وأحضرهم وناظرهم، وسامهم أن يسموا له العيارين وحملة السكاكين ليقتصر على أخذهم، ويفرج عن الباقين، وأن يضمن أهل الصلاح منهم أهل الريبة، ويأخذوا على أيديهم أخذاً يحسم به مواد الفتنة. فأخذ القاضي أبو الحسن محمد بن صلح الهاشمي يقول قولاً سديداً لطيفاً في دفع ذلك واستعطاف أبي محمد المهلبي وترقيقه، والرفق به وتسكينه، واعترض أبو بكر بن عبد العزيز الخطاب، وقال قولاً فيه بعض الجفاء والغلظة. فقال له أبو محمد: يا ماض كذا وكذا، ما تدع جهلك وتبسطك، ولا تخرج هذه الخيوط من رأسك، كأني لا أعرفك قديماً وحديثاً أعرف حمقك وحمق أبيك وتدرعك في مجالس الوزراء وإيثارك أن تقول: قال الوزير وقلت. ولعلك تقدر أن المقتدر بالله على السرير، وأنني أحد وزرائه، ليس ذاك كذلك، السلطان اليوم الأمير معز الدولة الذي يرى سفك دمك قربة إلى الله تعالى وينزلك منزلة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015