مسرعاً: الوزير أعزه الله يجمل الثياب فلا يحتاج إلى المبالغة فيها، ويخدمه الخواص الذين يعلمون أنه يدع الكثير عن قدرة، ونحن نتجمل بالثياب ونغالي فيها، ونلاقي العوام الذين يساسون بما يروق عيونهم من جلالتها، وتقام الهيبة بما يكبر في صدورهم من فخامتها. فكأنما ألقم أبا الحسن حجراً فما، أعاد عليه قولاً ولا رد جواباً.
وحدث القاضي أبو علي التنوخي قال: حدثني أبو بكر محمد بن عبد الرحمن ابن قريعة قال: حدثني مكرم بن بكر بن عمر أبو يحيى بن مكرم القاضي قال: كنت أختص بأبي الحسن علي بن عيسى وربما شاورني في أموره. فدخلت له يوماً فرأيته، مهموماً فقدرت أنه بلغه عن المقتدر بالله ما يشغل قلبه فاقتضى تقسمه فقلت: أرى الوزير؟ أيده الله مفكراً، فهل حدث شيء؟ وأومأت إلى جهة الخليفة. فقال: ليس ما أنا مغموم به من ذلك الجنس، بل لما هو أعظم في نفسي منه. فقلت: إن جاز أن يعرفنيه الوزير فليفعل، فلعله يجد عندي فيه رأياً أو قولاً. قال: نعم. كتب إلي عاملنا بالثغر بأن أسارى المسلمين كانوا في بلد الروم على حال رفاهة وصيانة إلى أن ولى ملك الروم آنفاً حدثان منهم، فعسفا وعاقباهم وأجاعاهم وأعرياهم، وطالباهم بالتنصر، وأنهم في بلاء وجهد، وهذا أمر لا حيلة فيه، ولا مقدرة على دفع ما أظل هؤلاء المساكين، ولو ساعدني الخليفة على إنفاق الأموال وتجهيز الجيوش إلى هؤلاء الكفار لفعلت في ذلك غاية ما أوجبه الله علينا من بذل الوسع والإمكان. فقلت: عندي أيها الوزير رأي في هذا الأمر ربما نفع وكان أسهل مما تحسب وتقدر. قال: قل يا مبارك. قلت: بأنطاكيه عظيم للنصارى يدعى البطرك