أبو الحسن علي بن عيسى يجعل في كل باب من ورائه مستورةً ويسبل عليها ستراً طويلاً يغطيها، فإذا جلس في أُخريات النهار مجلساً حافلاً ألصق بها ظهره من وراء الستر لئلا يشاهد مستنداً، تمسكاً بالوقار. وقيل: إنه ما رئي قط متبذلاً في مجلسه، ولا متخففاً في ملبسه، ولا فارق الدراعة إلا والقميص من دونها، والمبطنة من دونه ولا الخف في أكثر أوقاته إلا إذا أوى إلى فراشه أو قعد مع حرمه. وقد فعل أبو الحسن علي ابن عيسى مع أبي علي بن مقلة مشبهاً بما فعله مع أبي عيسى أخي أبي صخرة، وذلك أنه بلغه عمل المقتدر بالله على صرفه بأبي علي وكان متقلداً له إذ ذاك على عدة دواوين فاستدعاه وطالبه بأعمال يعملها له، فوعده بها. وحضر مجلسه بعد أيام فاعتمد الغض منه بأن قال له على ملاء من الناس: كنت التمست منك أعمالاً فأخرتها، فإن كنت عاجزاً عنها وغير ناهض بها فاصدق عن نفسك. فقال أبو علي: قد أحضرتها وها هي. ووضعها بين يديه وأخذ يقرؤها ويواقفه على غلط بعد غلط فيها، ويقبل على مشايخ الكتاب فيعجبهم من ضعف صناعته وقلة بصيرته، وحتى قال له في بعض القول: هذه حياكة لا كتابة. وضرب على عمل، بعد عمل ورسم في تضاعيفه ما يجب أن يبنى عليه نظمه وترتيبه، والكتاب الحاضرون يثنون عليه بحسن الكفاية، ويغمزون على أبي علي بضعف المعرفة. ثم رمى بها إليه وقال له: قم فاعملها على هذا المثال وحررها وجئني بها، فقام يجر رجليه. فلما ولى قال أبو الحسن: إن أمراً عجز عنه ابن الفرات ونحن فيه مرتبكون، ويدعي هذا القيام به لأمر عجيب، فما مضى على هذا المجلس أربعة أو خمسة أيام حتى قبض على أبي الحسن علي بن عيسى