إلى مسألة الوزير عن أمره حتى إذا خلا قال: تقول يا بني شيئاً؟. قلت: أسأل عن فضول. قال: إن كان فضولاً فلا تسل عنه. قلت: لا بد. قال: فقل. قلت: خلا بك أبو عيسى أمس لما لم أعرفه. ثم رأيتك اليوم مقبلاً عليه ومعاملاً له بضد ما كنت تعامله به، فما سبب ذلك؟ قال: نعم، إنه خاطبني خطاباً عظم في نفسي به، وعلمت صدقه فيه فرجعت له. قال: وقد خلا بي، أنا أيد الله الوزير رجل من شيوخ الكتاب، أعرف قدر صناعتي في الكتابة، وإنني في جملة المتأخرين عن الغاية، وما يخفى علي سوء رأي الوزير في واعتماده الغض مني، وطلب فضيحتي بالرجوع إلى الكتاب في أمور ديواني وقصدي بمعضلات الأمور إبانةً لعجزي وقصوري. ويجب أن يعلم أيده الله أن باطن حالي ومالي أوفر من ظاهرها على كثرته ووفوره، وما أتصرف طلباً لفائدة، ولا حاجةً إلى مكسب، وإنما أريد قيام الجاه ونفوذ الأمر، وقد عشت طول ما مضى من عمري مستوراً في أمري مقدماً عند السلطان على كثير من نظرائي، وخلفت إسماعيل بن بلبل على الوزارة، وتقلدت كبار الأعمال واحداً بعد آخر، وسلمت على الوزراء وسلموا علي، وقد نمكن في النفوس من موضعي ومنزلتي ما لا يخرج منها، ولا يمكن أحداً إزالته عنها. وأنا بين أمور مما لحقتني الغضاضة به، إما أن توصلت إلى إزالته بما يثقل على الوزير فيزداد سوء رأيه؛ أو استعفيت ولزمت منزلي فلم أكن خاملاً؛ وجعلت نفسي حينئذ بحيث أختاره من الكون في أولياء الوزير أو أعدائه، أو عاد إلى الأولى به ووفاني حقوق ما قلدنيه. فقلت له: ليس ترى بعد ذلك يا أبا عيسى شيئاً تنكره، وسأرجع في معاملتك إلى أفضل ما تؤثره. وبكر إلي ليمتحن وعدي ويختبر ما عندي، فكان ما رأيت.

وحدث القاضي أبو علي التنوخي عن أبيه وأبي الحسين بن عياش قالا: كان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015