من غد وخلعت عليه الخلع السلطانية، وركب إلى الدار المعروفة بسليمان بن وهب، فجلس فيها، وركبت إليه الأمراء والقواد في النواحي، وكتب إليهم بإقرارهم في مواضعهم من ولاياتهم وأعمالهم، وحثهم على استخراج الأموال وحملها. وسلم إليه أبو علي الخاقاني وولداه، وأبو الهيثم بن ثوابة، وطالبهم مطالبةً رفيقه. وسئل في أمر عبد الواحد بن أبي علي، فأطلقه بعد مديدة في ليلة الخميس لتسع خلون من جمادي الآخرة، ثم أطلق أبا القاسم أخاه ليلة الجمعة مستهل شوال، وحمل أبا الهيثم بن ثوابة إلى الكوفة، وسلمه إلى إسحاق بن عمران صاحب المعونة، فكان عنده إلى أن توفي يوم الأحد لليلة بقيت من ذي الحجة. وأجرى المقتدر بالله لأبي الحسن علي بن عيسى خمسة آلاف دينار في كل شهر، وارتجع الضياع العباسية التي كانت جعلت لابن الفرات وأبي علي الخاقاني، ورتب أبو الحسن علي بن عيسى الأمور والدواوين على ما رأى فيه الصلاح والسداد، وكان رجلاً عاقلاً متديناً متصوناً ظلفاً متعففاً، عارفاً بالأعمال حافظاً للأموال، كثير الوقار والجد بعيداً من التبذل والهزل، على شح غالب في طباعه، وتجهم ظاهر في أخلاقه. وما كان يخل بصلاة الجماعة والجمعة في كل يوم جمعة، ولا يدع المناوبة في ذلك بين المساجد الجامعة، حتى قيل: إنه كان يستعمل الوضوء في أيام الجمعات التي يكون فيها محبوساً، ويستوفي طهوره، ويلبس ثيابه، ويقوم ليخرج من موضعه، فيرده الموكلون به ويمنعونه، فيرفع رأسه إلى السماء ويقول: اللهم اشهد. وعمد في نظره إلى تخفيف المؤن، وحذف الكلف، ونقص الخرج، والمضايقة في الجاري والرزق. ورد كثيراً مما وقع به أبو علي الخاقاني من الإثبات والزيادات، فأوحش بذلك خواص المقتدر بالله وعاداهم، وكثرت به السعاية عليه والوقيعة فيه