ويطرح الأكثر، ولحظه أبوه، فخفف الصلاة ثم صاح عليه وقال له: أفسدت أمري في نظري، وتريد أن تفسده في حبسي! وأقبل على الرسولين وقال لهما: ما أحسنتما الفعل. فإنكما أنفذتما إلي فعدلتما إلى ولدي عني، وإنما كان خليفتي. فقاما إليه وعرفاه ما حضرا فيه. وأقرآه الرقاع. فجعل يتأمل التوقيعات خاصة، حتى إذا استوفى النظر فيها قال لهما: قولا للوزير أيده الله هذه التوقيعات صحيحة، وما وقع بها إلا بإذني، فإنه ما كان أحد من كتابي يقدم على أن يوقع عني بما لا أعلمه ولا أرسمه، والذي فعلته هو ما رأيته صلاحاً لنفسي وخدمةً للخليفة أطال الله بقاءه في استمالة قلوب حاشيته ورعيته، واستخلاص نيتهم في موالاته وطاعته، والأمر الآن إليك فافعل ما تراه. قال: فقاما وعادا إلى علي بن عيسى، وأعادا عليه قوله: فقامت قيامته منه، واضطر إلى إمضاء الأكثر، وإسقاط من استضعف صاحبه واستلان جانبه، ولم تكن له جهة تشفع في بابه. وعرف الحاشية ذلك، وشكروا الخاقاني وتعصبوا له، وقاموا بأمره مع المقتدر بالله حتى قررت مصادرته وأطلق بعد أربعة أشهر.
وقال الخاقاني لابنه بعد انصراف ابن أيوب وابن الماسح: أردت يا بني أن تبعضنا إلى الناس بغير فائدة، ويكون أبو الحسن علي بن عيسى قد لقط الشوك بأيدينا! نحن قد صرفنا، لم لا نتحبب إلى الخاصة والعامة بإمضاء ما زوروه علينا؟ فإن أمضاه كان الحمد لنا والثقل عليه، وإن أبطله كان الحمد لنا والذم عليه. وقد كان الخاقاني متخلفاً عامياً إلا أنه كان خبيثاً داهياً، ولم يكن له إلا هذه الأفعال الثلاثة: في أمر ابن الفرات، وأمر ابن أبي البغل، وتلافي الحاشية بعد النكبة.
وقد حفظ من سقطاته وحكاياته ما كان أعداؤه يشنعون عليه به. وقد أوردنا ما سمعناه وتأدى إلينا منه.