ومقاطعات مما مثله يأتي على ارتفاع المملكة. وقد كان الخاقاني أذن لهذه الجماعة في التوقيع عنه بكل ما رأوه، وكانوا على فاقة وضغطة وخروج من نكبة وعطلة، وغرضهم الارتفاق وأخذ ما لاح، وأغلظ الأمر وكثر الحرج. وتأمل علي بن عيسى هذه التوقيعات، فأسقطها، وكان منها ما ثبت في الدواوين وما لم يثبت، وعمل على إعلام المقتدر بالله ما على الملك وبيت المال من الوهن والنقص بإمضائها واستئذانه في ردها وإبطالها.
قال هشام: وكنت متحققاً به إذ ذاك فقلت: لا تفعل فإن الخليفة على ما تعرفه من التدبر بآراء النساء، والقبول من الحاشية، وأكثر هذه التوقيعات لهم وللمتعلقين عليهم، وللملتجئين إليهم، فاعدل إلى أن تنظر ما قد أنشيء الكتاب به من ديوان الدار إلى أصحاب الدار فتمضيه، وما كان بخلاف ذلك أبطلته، فإنك تمضي القليل وتبطل الكثير، وتأمن عداوة الناس، ومتى استأذنت الخليفة لم تأمن أن يأمرك بإمضاء الكل فتقع في الطويل العريض. فلم يقبل، ومضى فطالع المقتدر بالله بالصورة، واستأمره في إسقاط التوقيعات، وقد كان الحواشي سبقوا إليه بالشكوى، فقال له: ارجع إلى الخاقاني وابنه فما عرفاك أنه بتوقيعهما أمضيته، وما كان بتوقيع أصحابهما رددته فأمر علي ابن عيسى أصحاب الدواوين بجمع الرقاع، فجمعت في أيام، وأنفذها إلى الخاقاني وابنه مع إبراهيم بن أيوب كاتب حضرته وابن الماسح ليعرضاها عليهما، ويسألاهما عنها. فلما دخلا على الخاقاني وابنه وجدا الخاقاني قائماً يصلي صلاة الضحى وكان يطيلها وابنه عنده جالساً فعدلا إليه، وأديا الرسالة، وأعطياه الرقاع على حكم ما كان عليه من الاستبداد بالأمور في خلافته لأبيه. فأخذ يتأملها ويميزها، ويفرد الأقل