وأشار عليه بالكلام في ذلك، وعرض الرقعة التي كتبها المحسن، فقبل وفعل، وعاونته القهرمانة زيدان، واجتمعت معه على إيراد ما يورده. فلما وقف المقتدر بالله على رقعة المحسن أنفذها إلى أبيه أبي الحسن وقال له: أنت قيم بهذا الضمان وملتزم له؟ فقال: نعم. واستدعاه من موضعه حتى سمع قوله، وعقد عليه الوفاء بما قاله. فلما كان يوم الخميس لسبع ليال بقين من شهر ربيع الآخر سنة إحدى عشرة وثلاثمائة حضر أبو الحسن علي بن عيسى دار السلطان، ومعه جماعة من القواد والغلمان على رسم الموكب، وجلس في المجلس الذي جرت العادة بجلوسه فيه، إلى أن يستأذن له. ثم خرج إليه من قبض عليه، وأنفذ إلى داره ودور إخوته وكتابه وأصحابه ووكل بها، واستظهر على ما فيها. واستدعى المقتدر أبا الحسن بن الفرات من حيث كان مقيماً فيه من داره، وحضر المحسن ابنه وكان قريباً من الدار، وخلع عليهما وحملهما على حملان بمراكب ذهب، وتقدم إلى الأمراء والقواد والغلمان والخدم وسائر الطبقات بالركوب معهما إلى دارهما.
ومن فضائل أبي الحسن بن الفرات والمأثور من ذكائه أنه وقع تشاجر بين ولد المكتفي وعلي بن المقتدر بالله في أجمة هوثا من أعمال القصر، وادعى كل من الفريقين أنها له، وأوجبت الصورة أن وقع إلى عامل سوق المسك بالحظر على ثمن ما يرد من صيود هذه الأجمة إلى أن تبين صورتها. وكان المقتدر بالله يوقع في وقت لعلي ابنه وفي آخر لولد المكتفي بالله، فلما زاد وقوف هذا الأمر وتأخر فصله وظهور الحق فيه لمستحقه، أحضر أبو الحسن بن الفرات خادماً لولد المكتفي بالله، ووكيلاً لعلي بن المقتدر بالله يعرف بالحربي، للمناظرة والحكومة، وقال أبو الحسن للخادم: ممن ابتعتم هذه الأجمة؟ قال: من ولد بدر اللاني. فأمرهما بالخروج والجلوس في الدار