على ظاهر يخالف هذا الباطن. وعرف أبو الحسن بن الفرات الصورة بعد حصول بني بن نفيس بواسط. فتوصل إلى أن قرر في نفس المقتدر بالله أن سوسناً كان من أكبر أعضاد عبد الله بن المعتز والداخلين معه في التدبير عليه، وإنما قعد أخيراً عنه لما استحجب عبد الله بن المعتز غيره. وأودع صدره فيه ما أذن له معه بالقبض عليه، فقبض عليه وقتله سراً في يومه، وأنفذ إلى محمد بن عبدون من قبض عليه في طريقه وحمله إلى الحضرة، فصادره مصادرة مجددة ثم سلمه إلى مؤنس الخادم فقتله. وعرف أبو الحسن علي بن عيسى وهو بواسط ما جرى في أمر محمد ابن عبدون، فأقلقه وأزعجه، وكتب إلى ابن الفرات كتاباً يحلف فيه أنه على قديم عداوته لمحمد بن عبدون، إلا أنه مع ذلك لا يدع الصدق عن حاله، ويقول: إنه لم يكن يسعى على دم نفسه بضمان الوزارة، وقد كان راضياً بالسلامة بعد فتنة عبد الله بن
المعتز، وإن سوسناً أسماه وذكره بغير معرفته ولا موافقته، وخرج من ذاك إلى أن سأله الاذن له في المضي إلى مكة ليسلم من الظنة وينسى السلطان ذكره. فأجابه إلى ما طلبه، وأخرجه من واسط إلى مكة على طريق البصرة مرفهاً محروساً. وكان غرض علي ابن عيسى فيما ذكر محمد بن عبدون به حراسة نفسه، فوصل كتابه وقد مضى لسبيله. وكان من جملة الداخلين في فتنة عبد الله بن المعتز أبو عمر محمد بن يوسف القاضي فأُخذ فيمن أُخذ وحبس، وحضر أبوه يوسف وهو شيخ كبير مجلس أبي الحسن ابن الفرات، وبكي بين يديه بكاء شديداً، رق له منه وسأله حراسة نفس ولده أبي عمر والتصدق عليه به. فقال أبو الحسن: الجناية عظيمة، ولا يمكن تخليته إلا بمال جليل يطمع الخليفة فيه من جهته. فبذل يوسف أن يفقر نفسه وابنه طلباً لبقائه. وتلطف ابن الفرات فيما قاله المقتدر بالله وقرر أمر أبي عمر على مائة ألف دينار، فأدى منها تسعين ألفاً، من جملتها خمسة وأربعون ألفاً كانت عنده للعباس بن الحسن، وأمره ابن الفرات بعد ذلك بملازمة داره وألا يخرج منها لئلا يجعل له حديث مجدد. وكان أبو القاسم سليمان بن الحسن بن مخلد مدلاً على أبي الحسن بن الفرات بمودة بين أسلافه وبين أبي جعفر والد أبي الحسن وأبي العباس عمه، وباختصاصه هو به، فوجه أبو الحسن الكتب إلى أصحاب المعاون في البيعة لعبد الله بن المعتز بخطه، فلم يظهر ذلك المقتدر بالله ولا ذكره، واعتمد التقديم له والتنويه به، وكان سليمان قد تقلد لعلي بن عيسى مجلس العامة في ديوان الخاصة. فقلده ابن الفرات هذا الديوان رئاسة. ثم إن سليمان شرع لأبي الحسن بن عبد الحميد في الوزارة، وعمل في ذلك نسخةً بخطه عن نفسه إلى المقتدر بالله يسعى فيها بابن الفرات وكتابه وضياعه وأمواله، وقام ليصلي صلاة المغرب مع جماعة من الكتاب فسقطت من كمه، فأخذها الصقر بن محمد الكاتب، وكان إلى جانبه، فحملها إلى ابن الفرات من وقته، فلما وقف عليها قبض عليه وحدره في زورق مطبق إلى واسط، وقد أوردنا مستأنفاً ما فعله معه بعد ذلك. ومضى لأبي الحسن بن الفرات في وزارته هذه ثلاث سنين وثمانية أشهر وأربعة عشر يوماً، اختلفت عليه الأمور فيها، وحدثت الحوادث في متصرفاتها ومجاريها وحضر عيد النحر من سنة تسع وتسعين ومائتين فاحتيج فيه من النفقات إلى ما جرت العادة به، وكانت المواد قد قصرت، والمؤن قد تضاعفت، وطلب من المقتدر بالله أن يعطيه من بيت مال الخاصة ما يصرفه في نفقات هذا العيد، فمنعه ذلك، وألزمه القيام به من جهته، فأقام على أنه لا وجه له إلا مما يعان به، ووجد بذلك أعداؤه الطريق إلى الوقيعة فيه. وركب في يوم الأربعاء لأربع خلون من ذي الحجة إلى دار الخلافة وهو على غاية السكون والطمأنينة، وجلس في الموضع الذي كان يجلس فيه قبل الوصول إلى السلطان، فقبض عليه وعلى محمد ابن أحمد الكلوذاني وكان يكتب بين يديه وعلى محمود بن صالح وكان معه من أصحابه، ومضى القواد للقبض على أسبابه وكتابه فقبضوا على عبد الله وأبي نوح ابني جبير، وموسى بن خلف وكان من خواصه. وصار مؤنس الخادم إلى دار الوزارة فوكل بها، وأنفذ يلبق إلى دار ابن الفرات بسوق العطش فأحاط عليها. وتسرع الجند والعوام إلى دور أولاده وأهله فنهبوها وأخذوا ساجها وسقفوها، وعظم الأمر في النهب حتى ركب أبو القاسم الخال بعد العصر في القواد والغلمان وطلب النهاية، وعاقب قوماً منهم، فقامت الهيبة، وسكنت الفتنة. وأُحضر أبو علي محمد بن عبيد الله بن خاقان واستوزر، وقبض ما كان لأبي الحسن من الضياع والإقطاع والأملاك والعقار والأموال والغلات، وصح له ما مقداره ألف ألف دينار وستمائة ألف دينار سوى الأثاث والرحل والكراع والجمال، ولم يؤخذ من أحد من الوزراء قبله ولا بعده مثل ذلك. ز، وإن سوسناً أسماه وذكره بغير معرفته ولا موافقته، وخرج من ذاك إلى أن سأله الاذن له في المضي إلى مكة ليسلم من الظنة وينسى السلطان ذكره. فأجابه إلى ما طلبه، وأخرجه من واسط إلى مكة على طريق البصرة مرفهاً محروساً. وكان غرض علي ابن عيسى فيما ذكر محمد بن عبدون به حراسة نفسه، فوصل كتابه وقد مضى لسبيله. وكان من جملة الداخلين في فتنة عبد الله بن المعتز أبو عمر محمد بن يوسف القاضي فأُخذ فيمن أُخذ وحبس، وحضر أبوه يوسف وهو شيخ كبير مجلس أبي الحسن ابن الفرات، وبكي بين يديه بكاء شديداً، رق له منه وسأله حراسة