ابن عيسى كاتب مؤنس عرض على أبي الحسن بن الفرات رقعة من محمد ابن داود، فلما قرأها قال: تقول له الاستتار صناعة وجرمك عظيم، وأمرك بعد طري. فتوقف إلى أن تخلق القصة، ثم دعني فإني أسوق الأمر إلى أخذ أمان الخليفة لك بخطه والاشهاد عليه في الوفاء به وإظهارك وبلوغ إيثارك. فلما عاد موسى ابن عيسى إلى محمد بن داود بذلك ارتاب بقول ابن الفرات، وشك فيه، وقدر أنه على وجه المغالطة والمدافعة ليستمر عليه الاستتار والنكبة فقال: أي ذنب لي أحتاج معه إلى زيادة في الاستظهار ومطاولة الانتظار؟! ومضى إلى سوسن الحاجب، فلما استؤذن عليه لم يصدق، وظن أنه رسول منه، واستثبت حاجبه واستفهمه، فخرج وعاد وقال: قد حضر هو بنفسه. فعجب من ذلك وأدخله، وأنهى خبره إلى المقتدر بالله، فأمره بتسليمه إلى مؤنس الخازن، فسلمه إليه، فقتله وطرحه على باب سقاية حتى أخذه أهله ودفنوه، وعرف أبو الحسن بن الفرات خبره فغمه أمره وقال: كان على عداوته لي فاضلاً راجحاً ومتقدماً في الصناعة بارعاً، وقد جرى عليه من القتل صبراً أمر عظيم. وحدث أبو عبد الله زنجي قال: كنت بحضرة أبي الحسن بن الفرات في أول ما وزر إذ كتب إليه صاحب الخبر بحضور رجل يقول: إن عنده نصيحةً لا يذكرها إلا للوزير فاستدعاه وسأله عما عنده، فأسر إليه بما لم نقف عليه، وتقدم إلى العباس الفرعاني حاجبه بأن يجلسه في دار العامة إلى أن يطلبه منه، ثم أمره بجمع الرجال الذين برسمه، ودعا أبا بشر بن فرجويه وقال له: قد حضر هذا الرجل المتنصح، وذكر أنه يعرف موضع محمد بن داود، وأنه بات البارحة عنده،