إما الجهل بالفرق بين هذا وهذا. وإما قصد لبس الحق بالباطل عنادا ومكابرة وتمويها على الأغبياء الذين لا علم لهم بمدارك الأحكام، وهذا الأخير هو الظاهر من حال المتلبسين منهم ببعض المعاصي ليدفعوا عن أنفسهم الشنعة وليوهموا الجهال أن هجرهم إياهم من أجل المعصية لا يجوز وأن الذين يهجرونهم من طلبة العلم وغيرهم ليسوا مصيبين.
فيقال لهؤلاء المذبذبين المدلسين: أن الذي جاءت الأحاديث بالنهي عنه فيما زاد على الثلاث هو التهاجر الدنيوي كما سيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى.
وقد جاءت السنة بهجر أهل المعاصي حتى يتوبوا كما هجر النبي - صلى الله عليه وسلم - كعب بن مالك وصاحبيه خمسين يوما ولم يكلمهم حتى تاب الله عليهم. وهجر زينب بنت جحش رضي الله عنها قريبا من شهرين لما قالت: أنا أعطي تلك اليهودية ـ تعني صفية ـ. وهجر الذي بنى فوق الحاجة حتى هدم بناءه وسواه بالأرض وهجر رجلا رآه متخلقا بزعفران حتى غسله وأزال عنه أثره. وهجر رجلا رأى عليه جبة من حرير حتى طرحها. وهجر رجلا رأى في يده خاتما من ذهب حتى طرحه.
وفي سنن أبي داود وجامع الترمذي ومستدرك الحاكم أنه - صلى الله عليه وسلم - هجر رجلا رأى عليه ثوبين أحمرين. وكان الصحابة والتابعون لهم بإحسان يهجرون من أظهر المعصية حتى يتوب وتظهر توبته وقد قال ابن عبد القوي: