[2559] قَوْلُهُ (حُفَّتْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الْحِفَافِ وَهُوَ مَا يُحِيطُ بِالشَّيْءِ حَتَّى لَا يُتَوَصَّلَ إِلَيْهِ إِلَّا بِتَخَطِّيهِ أَيْ أُحِيطَتْ وَوَقَعَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ حُجِبَتْ (بِالْمَكَارِهِ) أَيْ بِمَا أُمِرَ الْمُكَلَّفُ بِمُجَاهَدَةِ نَفْسِهِ فِيهِ فِعْلًا وَتَرْكًا وَأَطْلَقَ عَلَيْهَا الْمَكَارِهَ لِمَشَقَّتِهَا عَلَى الْعَامِلِ وَصُعُوبَتِهَا عَلَيْهِ (وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ) أَيْ مَا يُسْتَلَذُّ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا مِمَّا مَنَعَ الشَّرْعُ مِنْ تَعَاطِيهِ إِمَّا بِالْأَصَالَةِ وَإِمَّا لِكَوْنِ فِعْلِهِ يَسْتَلْزِمُ تَرْكَ شَيْءٍ مِنَ الْمَأْمُورَاتِ
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا مِنْ بَدِيعِ الْكَلَامِ وَفَصِيحِهِ وَجَوَامِعِهِ الَّتِي أُوتِيهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ التَّمْثِيلِ الْحَسَنِ وَمَعْنَاهُ لَا يوصل إلى الجنة إلا بار تكاب الْمَشَقَّاتِ الْمُعَبَّرِ عَنْهَا بِالْمَكْرُوهَاتِ وَلَا إِلَى النَّارِ إِلَّا بِتَعَاطِي الشَّهَوَاتِ وَكَذَلِكَ هُمَا مَحْجُوبَتَانِ بِهِمَا فَمَنْ هَتَكَ الْحِجَابَ وَصَلَ إِلَى الْمَحْجُوبِ فَهَتْكُ حِجَابِ الْجَنَّةِ بِاقْتِحَامِ الْمَكَارِهِ وَهَتْكُ حِجَابِ النَّارِ بِارْتِكَابِ الشَّهَوَاتِ
فَأَمَّا الْمَكَارِهُ فَيَدْخُلُ فِيهَا الِاجْتِهَادُ فِي الْعِبَادَاتِ وَالْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهَا وَالصَّبْرُ عَلَى مَشَاقِّهَا وَكَظْمُ الْغَيْظِ وَالْعَفْوُ وَالْحِلْمُ وَالصَّدَقَةُ وَالْإِحْسَانُ إِلَى الْمُسِيءِ وَالصَّبْرُ عَلَى الشَّهَوَاتِ وَنَحْوُ ذَلِكَ
وَأَمَّا الشَّهَوَاتُ الَّتِي النَّارُ مَحْفُوفَةٌ بِهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا الشَّهَوَاتُ الْمُحَرَّمَةُ كَالْخَمْرِ وَالزِّنَا وَالنَّظَرِ إِلَى الْأَجْنَبِيَّةِ والغيبة واستعمال الملاهي ونحو ذلك
وأما للشهوات الْمُبَاحَةُ فَلَا تَدْخُلُ فِي هَذِهِ لَكِنْ يُكْرَهُ الْإِكْثَارُ مِنْهَا مَخَافَةَ أَنْ يَجُرَّ إِلَى الْمُحَرَّمَةِ أَوْ يُقَسِّي الْقَلْبَ أَوْ يَشْغَلَ عَنِ الطَّاعَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ