يُخَالِفُ صَرِيحَ الْعَقْلِ لِأَنَّ الْمَوْتَ عَرَضٌ وَالْعَرَضُ لَا يَنْقَلِبُ جِسْمًا فَكَيْفَ يُذْبَحُ فَأَنْكَرَتْ طَائِفَةٌ صِحَّةَ هَذَا الْحَدِيثِ وَدَفَعَتْهُ وَتَأَوَّلَتْهُ طَائِفَةٌ فَقَالُوا هَذَا تَمْثِيلٌ وَلَا ذَبْحَ هُنَاكَ حَقِيقَةً وَقَالَتْ طَائِفَةٌ بَلِ الذَّبْحُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَالْمَذْبُوحُ مُتَوَلِّي الْمَوْتِ وَكُلُّهُمْ يَعْرِفُهُ لِأَنَّهُ الَّذِي تَوَلَّى قَبْضَ أَرْوَاحِهِمْ
وَقَالَ الْمَازَرِيُّ الْمَوْتُ عِنْدَنَا عَرَضٌ مِنَ الْأَعْرَاضِ وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ لَيْسَ بِمَعْنًى بَلْ مَعْنَاهُ عَدَمُ الْحَيَاةِ وَهَذَا خَطَأٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى خَلَقَ الموت والحياة فَأَثْبَتَ الْمَوْتَ مَخْلُوقًا وَعَلَى الْمَذْهَبَيْنِ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ كَبْشًا وَلَا جِسْمًا وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا التَّمْثِيلُ وَالتَّشْبِيهُ ثُمَّ قَالَ وَقَدْ يَخْلُقُ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْجِسْمَ ثُمَّ يُذْبَحُ ثُمَّ يُجْعَلُ مِثَالًا لِأَنَّ الْمَوْتَ لَا يَطْرَأُ عَلَى أَهْلِ الْآخِرَةِ
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ الْمَوْتُ مَعْنًى وَالْمَعَانِي لَا تَنْقَلِبُ جَوْهَرًا وَإِنَّمَا يَخْلُقُ اللَّهُ أَشْخَاصًا مِنْ ثَوَابِ الْأَعْمَالِ وَكَذَا الْمَوْتُ يَخْلُقُ اللَّهُ كَبْشًا يُسَمِّيهِ الْمَوْتَ وَيُلْقِي فِي قُلُوبِ الْفَرِيقَيْنِ أَنَّ هَذَا الْمَوْتَ يَكُونُ ذَبْحُهُ دَلِيلًا عَلَى الْخُلُودِ فِي الدَّارَيْنِ
وَقَالَ غَيْرُهُ لَا مَانِعَ أَنْ يُنْشِئَ اللَّهُ مِنَ الْأَعْرَاضِ أَجْسَادًا يَجْعَلُهَا مَادَّةً لَهَا كَمَا ثَبَتَ فِي مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ أَنَّ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ يَجِيئَانِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ انْتَهَى
قُلْتُ هَذَا الْقَوْلُ الْأَخِيرُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ
قَوْلُهُ (وَهَذَا أَمْرُ أَهْلِ الْعِلْمِ الَّذِي اخْتَارُوهُ وذهبوا إليه) وهو الحق والثواب وَهُوَ مَذْهَبُ السَّلَفِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ فَضْلِ الصَّدَقَةِ مِنْ أَبْوَابِ الزَّكَاةِ