فَقَالَ: وَهُوَ ينتفس الصعداء: يَا أَحْمد أود لَو أَن خطك لي بِنصْف ملكي. فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَو أَن فِي الْخط فَضِيلَة لما حرمه الله أعز خلقه وَأجل رسله مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَقَالَ: قد سليتني مِمَّا كنت أجد يَا أَحْمد. وَكَانَ أَبُو عِيسَى بن الرشيد يَقُول: الْخط صناعَة بِالْيَدِ، وَلَا تحسن بالملوك وَأَوْلَادهمْ. وقرأت بِخَط أبي الْفَتْح كشاجم لَهُ: سل بِي عَن الْأَيَّام تعرف ... أَنِّي ابْن دهر لَيْسَ ينصف وبلاغة مَعْرُوفَة ... سهلت وأخطأها التَّكَلُّف والخط لَيْسَ بِنَافِع ... مَا لم يكن خطا مصحف وسطور خطّ مونق ... كالروض، وَالْبرد المفوّف وَقَالَ بعض مجان بَغْدَاد من الْكتاب: مَا لَقينَا من الْكتاب؟ فقد أَخذنَا بِحِفْظ فَرَائِضه وَإِقَامَة شعائره، وَأما فِي الْآخِرَة فَإنَّا نَلْقَاهُ منشوراً بسرائرنا وخفايا صدورنا. وَذكر الجاحظ عاثة الْكتاب فَقَالَ: أَخْلَاق حلوة، وشمائل وَثيَاب نظيفة، وتظرف أهل الْفَهم، ووقار أهل الْعلم، فَإِذا صلوا بِنَار الامتحان كَانُوا كالزبد يذهب جفَاء، وكنبات الرّبيع فِي الصَّيف يعروه هيف الرِّيَاح، وَلَا يستندون إِلَى وَثِيقَة، وَلَا يدينون بِحَقِيقَة، أَخْفَر الْخلق لِأَمَانَاتِهِمْ، وأشراهم بِالثّمن البخس لعهودهم. فويل لَهُم مِمَّا كتبت أَيْديهم، وويل لَهُم مِمَّا يَكْسِبُونَ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015