ولا يعاب استعمالها منهم فيمن قالوها فيه، إلا قول البخاري في (أبي حنيفة النعمان بن ثابت الإمام الفقيه): " سكتوا عنه، وعن رأيه، وعن حديثه " (?).
فهذه حكاية من البخاري عن أهل الحديث، ومن تأمَّل فاحصاً منصفاً متبرئاً من العصبية وجد هذا القول خطأ، وذلك _ بإيجاز _ من جهتين:
الأولى: دلالة الاستقراء على أن أهل الحديث قد اختلفت عباراتهم في أبي حنيفة، بين معدِّل وجارح، علماً أن الجرح عند من جرح لم يفسر بسبب حديثه، فكيف سكتوا عنه , وفيهم من أثنى عليه وأطراه ورفع من شأنه.
والثانية: أن عبارات الجارحين وقع فيها من المبالغة والتَّهويل، وذلك بسبب الشِّقاق الذي كان بين أهل الرأي وأهل الحديث في تلك الفترة، علماً بأن كثيراً من تلك الأقاويل لا تصح نسبتها إلى من عزيت إليه.
وأبو حنيفة شغله الفقه عن الحديث، ولعله لو اشتغل به اشتغال كثير من أهل زمانه، لم يمكن مما مُكِّن فيه من الفقه، ومع ذلك فإنه قد روى وحدث، نعم، ليس بالكثير على التحقيق؛ للعلة التي ذكرنا، وهي انصرافه إلى فقه النصوص دون روايتها.
42 _ ومن عباراتهم في الجرح: قياس المجروح بالمجروح.
من مسالك نقاد النقلة أن يستدل لبيان حال الراوي بقياسه براو هو أظهر في حاله، فإذا أردت الوقوف على قدر الجرح في مراد الناقد لزمك النظر في رأيه في المقيس عليه، فإذا لم تجد له فيه نصاً مفسراً، نظرت تفسيره في كلام غيره من النُّقَّاد، ومن أمثلته:
قول أحمد بن حنبل في (مطر بن طهمان الورَّاق): " كان يحيى بن