بقي إلى حد التكليف سليما على أصل تلك الخلقة ولم تعقه عوائق عن ذلك من تقليد أبويه أومعلمه أو قراباته في التهود والتنصر والتمجس وغيرها.
كما أن الفصيل يخلق تام الخلقة ثم يطرأ عليه بعد ذلك الجدع والكيّ وغير ذلك مما ينقله إلى أُسمية أخرى مثل البحيرة وما جرى مجراها.
وقد تقدم أن الله تعالى أخذ الميثاق على بني آدم في العهد الأول إذ قال لهم: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172]، فأقروا عند ذلك بأن لهم ربا وصانعا خلقهم، ولإقرارهم بذلك فطرهم عليه بعد، فهم على تلك الفطرة حتى يطرأ عليهم من خارج ما يُنسيهم ذلك العهد من تقليد الآباء واتباع عادتهم، كما قال تعالى حكاية عن من كان هذا سبيله: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ} [الزخرف: 23].
وكذلك لما قال إبراهيم - عليه السلام - لقومه: {هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ} [الشعراء: 72] عدلوا عن جوابه فقالوا: {بَلْ وَجَدْنَا آَبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [الشعراء: 73]. فأخبروا أن اتباعهم آباءهم وتقليدهم إياهم قادهم إلى عبادة الأوثان والكفر بالله، فكان هذا تصديقا لقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه». (?)