قبل الإسلام. . . ثم يكر شريط السينما. . . من دهر إلى دهر إلى يوم الناس
هذا، والأستاذ في كل ذلك يحكي عن عيان ويخبر عن مشاهدة وهو على
كرسي الجامعة في حلم مغناطيسي، نائم أشد ما كان يقظة، ويقظان أبعد ما
استغرق نوماً، ولا سبيل في هذا إلا هذا، وعلى إدارة الجامعة أن تتبينه
فلعها ولعله.
إن مجلس الجامعة ليعرف أن هذا الذي يسميه الناس
"تاريخ الأدب العربي" إنما هو علم حديث النشأة، لم يتولَّهُ أهله، ولا وضع في زمنه، ولا أصاب وسائله، ولا تنبه إليه أحد أيام كان العلماء والرواة، وكانت مصادر النقل متوافرة، ولم يتناوله المعاصرون إلا تقليداً، وعلى قِلةِ من الكتب، وفي موت الرواية، وبعد انقطاع الدهر الإسلامي من مواضع كثيرة، ولو أنه وجد بيننا رجل قرأ كل مطبوع ومخطوط من الكتب العربية المبعثرة في نواحي الدنيا لم يَفُته منها ورقة ولا بعض ورقة، ثم استخرج منها العلم، لجاء به ناقصاً مضطرباً ضعيفاً، - لضياع أكثر الكتب في النكبات التاريخية المختلفة، ولفساد طريقة التأليف في أكثر الكتب التي انتهت إلينا، فما هو كالعلوم التي دونت وضبطت وفرغ منها وصار الكتاب الواحد يغني فيها عن الكتب الكثيرة، كالنحو والصرف والبلاغة وأشباهها، ولا هو كالفنون التي يكشف منها الاختراع وتستحدث الحاجة والتجربة، كالطب والقانون والكيمياء ونحوها.
فمن ثَم لا تستطيع الجامعة أن تسمي أستاذها أستاذها كما تقول أستاذ
القانون وأستاذ الطب؛ ولا تعتبره كذلك أو تجري عليه حكم هؤلاء، بل هو
أستاذ على المجاز، ومدرس للضرورة، ويجب أن يستثنى بخصوصه من كل
ما يتمتع به الأساتذة، فقد ينكشف - يوماً عن أقبح العجز وأفحش الخطأ.
وهو ما نعرفه ونؤكده ولا نرتاب فيه؛ ومن ثم يجب على الجامعة أن تسمع
لكل قول في الأستاذ وتحسن اعتبار أي قول كان وعلى أي وجه جاء ومن
أي شخص تلقته، وإنها لتعلم أن أستاذ الأدب يجب أن يكون من أوسع
الناس اطلاعاً، لا في الروايات المثيلية الفرنسية، ولكن في كتب الأدب
العربي، وأن يكون على اطلاعه من أبلغ الناس كتابة وأشعرهم شعراً