من النشاط ولا من الوقت إلا قليلاً، وها أنا أتحداك أن تأتي بمثلها أو بفصل من مثلها، وإن لم يكن الأمر عندك في هذا الأسلوب الشاق عليك إلا ولادة وآلاماً من آلام الوضع كما تقول فعلى نفقات القابلة والطبيبة متى ولدت بسلامة الله. . . وإني لأتحداك وأنا أخبر الناس بما تطيق وما لا تطيق. وسبحان من خلق النسر خلقة والديك الرومي خلقة أخرى. . .
ومنزلة رابعة هي أحط وأدنى من كل هذه الثلاث، فقلت "أنا أعلم أن
الأستاذ الرافعي قد تكلف مشقة لا تكاد تَعدلها مشقة في وضع هذا الكتاب. . .
وهو تكلف العناء في طبعه ونشره، وأنفق مالاً في هذا الطبع والنشر، فقد يكون من الإسراف في القسوة أن نعرض لعمل كهذا فيه مشقة وعناء ومال فنعلن أنه غير جيد. . . الخ الخ ".
فما أنت والمال والطبع والنشر؟ ولكن اعلم أن هذا الكتاب لم يمض على
صدوره أربعون يوماً معدودة حتى رد كل ما أنفق عليه غرشاً غرشاً، وسل كل طابعي الكتب العربية وكل المؤلفين هل اتفق لهم حادث واحد مثل هذا؟.. ألا عدْ عن هذا الأسلوب، أسلوب شفقة الضرَّة على الضرة، وأبق مثل هذا الكلام لكتبك وأمثال كتبك.
إني والله - على إعجاب كان بك - أصبحت مستيقناً أن الله تعالى لم يهبك
إلى اليوم قلم الكاتب، ولا أودعك دهاء السياسي، ولا خصك بفهم الحكيم، وكيف يكون لك من ذلك وأنت تصف رئيس تحرير "السياسة" في ظرف
ولطف. . . بأن يزدري القراء ويزدري الناس ويتخذ هذا قولاً ومذهباً وفلسفة، ففي أي شيء يكون عمل الرجل في الجريدة الكبرى في أمة هي أشد الأمم حاجة إلى من يتألفها ويتولى إرشادها وهدايتها بأخلاق كأخلاق الأنبياء، تتسع كلما ضاقت الصدور، وتنعطف كلما نفرت القلوب، ولا ترى في الناس طبيعة تُزدرى، ولكن خطأ يُستصلح؟
عساك تحسب هذا مني دهانا ومصانعة لرئيس التحرير، فسل أديب هذا
العصر الأمير شكيب أرسلان ماذا كتبت له منذ سنة خلت في ردِّي على بعض كتبه، وهل أثنيت له على غير الدكتور هيكل، وهل وصفت غيره بالذكاء وعمق الفكر وحسن الوصف وبلاغة التعبير، على حين لم تكن بيني وبينه شابكة، ولم يكن رآني ولا رأيته إلا مرة واحدة جاء فيها إلى طنطا مع الأستاذ الجليل لطفي