إلى الأستاذ الفاضل الدكتور طه حسين.
عرفنا أنك تدعو إلى نمط جديد في الكتابة تنتقل به أساليب الإنشاء أو
تتغير به رسوم هذه الأساليب أو تَعفُو طرائق هذه الرسوم، وأن هذا مما تبعث
عليه سنة التطور لأنه فصلُ ما بين القديم والحديث، ثم هو هو الذوق الأدبي
الجديد الذي تزعمه والذي يختلج إليه الطبع في هذا الزمن وتقتضيه ضرورة
العلم والاتساع فيه، والأدبِ والتحقق فيه، واللغةِ والرغبة في إحيائها.
وقد كشف لنا الأستاذ الفاضل ومن يجاهدون في سبيله ويكتبون على
طريقته أو يحتذونها - عن حقيقة ذلك النمط وعرضوا أمثلة، وحققوا معنى
مصاحبة الطبع ومفارقة التكلف في هذه اللغة الفصحى التي لا يولد أحد فيها
ولا ينشأ أحد عليها. . . وبينوا كيف يكون الكاتب حضرِياً في رأيهم وكيف
يتسمَّح لهذا الذوق ويترفق فيه، ويتظرف به، وكل ذلك بما كتبوا ويكتبون من هذه المقالات السائغة اللينة الحلوة. . . التي تسرع في تلاوتها إلى الطبع بأشد مما تسرع كتابتها إلى المطبعة، غير أني حفظك الله رجل قد جعل الله فيما جعل من محنتي وبلائي أني داثب على الاستقراء لهذه اللغة والتتبع لأساليب الكلام فيها، مما يسمح أو يلتوي، ومما يأبى أو ينقاد، ومما يتسهل أو يتوغر، ومما يؤمن به عصر ويكفر به عصر آخر، لأن فلسفة ذلك باب من أبواب كتاب أضعه، ولكني في كل ما قرأت من بدء اتصال الرواية بالعرب إلى اليوم لم أصب مثل هذا الأسلوب الذي تكتب به. كقولك في صدر قصة المعلمين التي نشرتها "السياسة" اليوم "نعم قصة المعلمين، فللمعلمين قصة وللمعلمين قضية، وكنا نحب ألا تكون للمعلمين قصة وألا تكون للمعلمين قضية، لأننا نربأ بمقام المعلمين عن أن تكون لهم قصة أو قضية، ولكن أراد الله ولا مرد لما أراد الله أن يتورط المعلمون في قصة، وأن يتورط المعلمون في قضية، ليست قضيتهم أمام المحاكم وإن كانت أوشكت في يوم من الأيام أن تصل إلى المحاكم.
وليست قصتهم مفزعة مُهلعة (كذا كذا) وإن كانت أوشكت في يوم من الأيام أن تكون مفزعة مهلعة".
فهذه عشرة أسطر صغيرة دار "المعلمين" فيها عدد أيام الحسوم. . .
وحكيت "القصة" ست مرات، وكان "للقضية" ست جلسات، غير ما هناك من مفزعة ومهلعة قد أفزعت وأهلعت مرتين وكير ما بقي مما هو ظاهر بنفسه.