العربية واللغات الأجنبية ونحن نقول إن هذا أمر ليس له مَترك ولا عنه مَحيص، ولكن أين ما ينزعون إليه مما ينزعون به، وهم إنما خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً.
وإنما يُؤتؤن من حساب العربية الفصحى لغة أثرية لا تماد الزمن ولا تشايع روح التاريخ، فيرون أنها لا بد أن تكون قد انقرضت مع أهلها فلا تبقى إلا لقوم في حكم أولئك المنقرضين، ثم يُفضون من هذا الوهم إلى تلك المحرقة التي أشرنا إليها في صدر الكلام، لأنهم لم يمارسوا هذه اللغة إنما علموها عن عُرُض، وهذا ولا جرم ضرب منْ الجهل العلمي؛ ولو هم فقهوا سر العربية ووقفوا على طرق تركيبها وجاذبوا من أزمتها وصرفوا من أعنتها واكتنهوا محاسنها الفطرية التي خرجت بها من
ثلاثمائة تركيب إلى ثمانين ألف مادة كما فصلنا القول فيه لعرفوا كيف يتسببون للإصلاح اللغوي الذي ينشدونه، وكيف يكشفون لفظ الإصلاح عن معنى غير فاسد كما ذهبوا إليه، ولتقلدوا البلية من حيث يدفعونها لا من حيث تدفعهم ولكنهم كما ترى يصفون لنا الفوضى وهم صفاتها، وَيطِبون للأمة وهم آفاتها، ويبادرون حسمَ الأمور بما يتفاقم به صَدعُها، ويضعون أوزار النوائب بما يثور به نَقعها، وما عليهم إذا تبينوا أن يصيبوا قوماً بجهالة أو يردوهم عن الهدى إلى ضلالة، فاللهم بصِّرنا بأقدارنا، ولا تُذلنا بصغارنا، ولا تخذلنا في الأمل وأنت الرحيم، دون غاية أتحت لنا وقتها، ولا تجعلنا في العمل كأهل الجحيم، (كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا) . . .