إن الجامعة، في أي بلد من بلاد العالم، خاضعة دائماً ككل كائن
لنواميس العمران، تبتدئ جنيناً "أي فكرة" ثم تخرج طفلاً، ومن هنا يبتدئ
دور الإنشاء ثم تترعرع فتصير صبياً بعناية أصحابها، ثم تنمو فتصبح شاباً، ثم كهلاً؛ ثم شيخاً يجمع اختبارات القرون وتجاريبها؛ وحينئذ تكون جديرة بالبذل حرية بالإسعاد.
أيها السادة: كلنا نعرف أن ما ينفق على الطفل أقل مما ينفق على الصبي، وما يقتضيه حال الصبي أقل مما يقتضيه حال الشاب، وهكذا الحال بالنسبة للكهل والشيخ، خصوصاً في مثل المسألة التي نحن في صددها.
إذا فهمنا ذلك ووعينا فماذا ينبغي أن أقول وما ينتظر أن أرمي إليه؛ دخلت
الجامعة في دور جديد فأصبحت أميرية منذ مارس سنة 1925 وأصبحت تعتمد في حياتها الجديدة على الأموال المشتركة، أي على المال العام، وهو مال الأمة، فيحق لحضراتكم بما لكم من الولاية على هذا المال ويقضي عليكم واجب التحري والذمة - أن تعرفوا إذا طُلب منكم أن تصرفوا، لماذا تصرفون وكم تصرفون؟
الواجب أن نشجع عندما يجب التشجيع، وننتقد عندما يجب
الانتقاد، بحيث لا نترك مسألة تمر علينا دون تشجيعها أو انتقادها على حسب ما تقضي به المصلحة.
لقد كنت أريد أيها السادة أن الذين أدخلوا الجامعة في الدور الجديد
يفطنون إلى أن الطبيعة تأبى الطفرة. كنت أرجو ذلك، ولكن بكل أسف أقرر أن السياسة التي تملكتها شهوة التغيير والتبديل، والتي ركب أكنافها شيطان العجلة فكانت تسعى إلى المظاهر لا إلى الحقائق، وإلى الأشكال لا إلى الموضوعات، وهكذا أبرزت لنا وللبلاد جامعة في ثياب العمالقة، بينما هي لا تزال قزماً من الأقزام، وأرادت أن تقوم تلك الجامعة على أرجلها كأنها خَلق قوي بينما هي طفلة في المهد؛ ولو كان الأمر وقف عند هذا الحد لهان، ولكن الذي لا يهون أننا احتملنا مبالغ ضخمة في سبيل الأشكال لا في سبيل الموضوعات، وأننا مستهدفون - إذا لم نبادر إلى علاج حاسم - لمصروفات لا بد أن تتضخم تضخماً كبيراً. . .
ثم أفاض الأستاذ في الكلام على إدارة الجامعة ومدرسيها وإسرافها
وتخبطها ببيان مستفيض، ثم قال: